الفوز الكبير الذى حققه حزب المحافظين فى بريطانيا، بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون، يمثل مفاجأة كبيرة، فى ظل معطيات تدور فى معظمها حول الانقسام داخل أروقة السياسة البريطانية، بالإضافة إلى استطلاعات الرأى التى أكدت قدرته على الفوز بأكثرية المقاعد البرلمانية، دون تحقيق الأغلبية التى قد تمكنه من السيطرة المطلقة على مقاليد الأمور فى البلاد فى المرحلة المقبلة، وهو ما ينبئ بمزيد من الشقاق حول العديد من القضايا، وعلى رأسها مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست".
إلا أن النتائج التى آلت لها الانتخابات البرلمانية البريطانية، ربما تعيد إلى الأذهان تساؤلات عدة حول مدى مصداقية الاستطلاعات التى يتم إجراؤها حول العديد من الأحداث الهامة، سواء كانت انتخابات أو استفتاءات أو غير ذلك، وكذلك المراكز القائمة عليها، سواء كانت بحثية أو إعلامية، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التى تحقق فيها نتائج مثل هذه الاستطلاعات فشلا ذريعا، حيث كان نجاح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الوصول إلى البيت الأبيض، بمثابة الصفعة الأولى للمبشرين بها، حيث دارت نتائجها آنذاك حول حتمية فوز المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، وهو ما لم يتحقق، بل كانت النتيجة معاكسة تماما فى ظل الاكتساح الذى حققه المرشح الجمهورى فى ذلك الوقت.
وهنا كان التساؤل للمرة الأولى حول أسباب فشل استطلاعات الرأى فى التنبؤ بنتائج الانتخابات، فى الولايات المتحدة، وهو ما أرجعه البعض إلى أن احتمالات الخطأ واردة، ولكن ربما هناك أسباب أخرى، ربما تدور فى كثير من الأحيان حول عدم رغبة بعض المشاركين فى التعبير عن أرائهم بصراحة حول دعم مرشح يدور حوله الجدل، على غرار ترامب، والذى كان يواجه اتهامات بالعنصرية فى ظل مواقفه تجاه الأجانب والمهاجرين وغيرهم.
لكن بالرغم من وجاهة التبريرات المذكورة، تبقى هناك شكوك كبيرة حول نزاهة المراكز التى تقوم بمثل هذه الاستطلاعات، بحيث يتم توجيه الناخبين فى اتجاه معين، وهو الأمر الذى لا يعنى بالضرورة تزوير أصوات المشاركين، ولكن ربما يمكن أن يتحقق ذلك عبر اختيارهم بعناية، بحيث لا تخرج الأغلبية المشاركة فى الاستطلاع عن دائرة معروفة، بتوجهات معينة تخدم الأهداف السياسية التى يحمل المركز أو المنبر الإعلامى الذى يقوم بالاستطلاع.
فلو نظرنا إلى الاستطلاعات التى قللت من قدرات جونسون وحزبه، فى الانتخابات الأخيرة، أو حتى ترامب قبل ذلك، نجد أنها كانت دائما ما تقترن بالعديد من الأبحاث والتحليلات التى تستهدف تشويه صورتهما، عبر الاتهامات بالعنصرية أو إثارة الجدل حول مواقفهما من العديد من القضايا المثارة، من بينهما قضية الخروج من الاتحاد الأوروبى، على غرار الحالة البريطانية.
يبدو أن استطلاعات الرأى التى تتسابق على نشرها العديد من الصحف والقنوات الإعلامية تحولت من مجرد مقياس للتنبؤ بالأحداث إلى سلاح لمحاربة شخصية معينة أو اتجاه سياسى معين، وبالتالى ربما لا يمكن الوثوق بها كثيرا فى المرحلة المقبلة، فى ظل فشلها الذريع فى السنوات الأخيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة