تمر اليوم ذكرى ميلاد الفيلسوف باروخ سبينوزا، ولد فى 24 نوفمبر من عام 1632 فى هولندا، وتوفى فى فبراير من عام 1677.
وأكد سبينوزا فى كتابه "رسالة فى اللاهوت والسياسة" أن الإيمان والفلسفة منفصلين، وأن العقل ليس خادماً للاهوت – ولكل مجال خاص يختلف عن مجال الآخر. إذ يذهب إلى أن غاية الفلسفة هى الحق وحده أو الحقيقة، وغاية الإيمان هى الطاعة والتقوى وحسب.
ويقول فى الكتاب: الأسس التى تقوم عليها الفلسفة هى الأفكار المشتركة أى المبادئ العامة التى تحكم الأشياء، أو القوانين الثابتة للطبيعة، وهذه نستخلصها من دراستنا للطبيعة وحدها، أما الإيمان فيتأسس على الكتب المقدسة والتسليم بواقعة الوحى، ولأن مجال الفلسفة يختلف عن مجال الإيمان، فإن التفلسف لا يضر الإيمان ولا يشكل خطرًا عليه. ولأن الإيمان يعتمد على التسليم بالوحى والكتب المقدسة، فمعنى هذا أن الإيمان فى جوهره يكفل لكل فرد الحرية المطلقة فى أن يتفلسف، ولأن الهدف الأساسى للإيمان هو تهذيب الأخلاق بجعل الناس يطيعون الأوامر الأخلاقية، فإنه لن يتضرر إذا لم تدعو الفلسفة إلى أى عصيان أو تعصب أو كراهية فى المجتمع، والمؤمنون الحقيقيون هم أولئك الذين يدعون الناس إلى العدل والإحسان، لا اللجوء إلى حجج وبراهين عقلية لإثبات عقائد معينة، وينطلق سبينوزا فى وجهة نظره هذه من مبدأ يذهب إلى أن العقائد مختلفة لدى الشعوب، وكذلك فهى تتغير وتتطور، أما الإيمان الذى يتمثل فى التقوى والطاعة والدعوة إلى العدل والإحسان فثابت وغير متغير. ولذلك لا يجب أن يتدخل العقل فى إثبات عقائد معينة لأن هذه ليست وظيفته، بل وظيفته الأساسية اكتشاف القوانين وإدراك نظام الطبيعة.
ويميل سبينوزا إلى الرأى القائل أن الإيمان طريق ضرورى لقيادة العامة، ذلك لأن الكتاب المقدس يعتمد فى نصوصه على الخيال التصويرى والمجاز وضرب الأمثلة، ولغته خطابية حماسية، والجمهور لا يستطيع الوصول إلى المبادئ الأخلاقية عن طريق النظر العقلى والتفلسف والبرهان مثلما يفعل الفلاسفة، ولذلك فهو فى حاجة إلى من يقدم له حقائق الأخلاق بالأسلوب الخيالى والمجازى فى صورة مباشرة، وعلى أنها قوانين مفروضة فى صورة شريعة، ذلك لأن العامة لا يستطيعون التوصل بتفكيرهم الخاص إلى الصواب والخطأ وهم فى حاجة دائمة إلى من يقودهم ويقدم لهم القواعد جاهزة، وهذا ما يوفره لهم الدين، وإذا كانت الغاية من الحياة الإنسانية هى السعادة، فإن الدين يقدم للعامة طريقًا مختصرًا وبسيطًا للوصول إليها، وهو الطاعة والخضوع والالتزام بالأوامر الإلهية، وهذا ضرورى بالنسبة لهم لأن طريق النظر العقلى إلى السعادة والمتمثل فى إدراك طبيعة الوجود والقانون الطبيعى الذى إذا اتفق سلوك الإنسان معه تحققت له السعادة ليس متاحًا للعامة بل هو خاص بأصحاب العقل والتفكير الفلسفى، ولذلك يذهب سبينوزا إلى ضرورة التسليم بسلطة الدين والكتب المقدسة وعدم إخضاعها للعقل، لأن هذا الإخضاع إما أن يؤدى إلى انهيار كثير من العقائد الضرورية أو يولد الاختلافات اللاهوتية والمذهبية التى يجب على الإيمان الحقيقى تجنبها، لأن هدفه النهائى ليس نظريًا بل عمليًا، ليس هدفه إثبات عقائد معينة بل هدفه التقوى والطاعة والعدل والإحسان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة