يعرف البعض الترجمة بأنها عملية نقل خطاب شفوي من لغة لأخرى أو أنها نقل كلام من لغة إلى أخرى، وتعتبر الترجمة مكونا أساسيا من مكونات الثقافة، ويقاس بها بدء النشاط الثقافي للحضارات الإنسانية.
ويمكن القول إن تاريخ المكتبات العربية ضم آلاف الترجمات، لكن بالتأمل في تلك الترجمات فربما وجدنا خطأ في نقل اسم أو معلومة مما يؤثر على طبيعة الفكرة المراد إيصالها من الكتاب بشكل عام، والغريب أن بعض هذه الأخطاء أصبح التعامل معها مسلما به وكأنها حقائق، وظلت تتوارثها الترجمات اللاحقة، وكأن المترجم يتخوف من التعديل على ترجمة سابقيه ما يفقده جزءا مهما وهو الإبداع.
وفى التقرير التالى استطلعنا آراء عدد من المترجمين حول عدد كبير من الأخطاء الشائعة فى الترجمات إلى العربية:
المترجم أحمد صلاح الدين
قال المترجم أحمد صلاح الدين: "ظهرت، فى السنوات العشر الأخيرة، العديد من المدارس الخاصة بدراسات الترجمة، كل منها تتبع أسلوبها الخاص فى التعامل مع ممارسة الترجمة".
وأضاف "صلاح": "وبالطبع فإن المسألة الخاصة بالترجمة الأدبية من اللغة الروسية إلى اللغة العربية لا تقتصر فقط على دراسة اللسانيات، إنما تمتد لتشمل العديد من العلوم منها على سبيل المثال لا الحصر الدراسات الأدبية، علم الاجتماع، علم النفس، إضافة للدراسات الاثنية".
وتابع: "وقد أحرزت اللسانيات تقدما ملحوظا فى رصد الأخطاء والمشاكل الشائعة فى الترجمة الأدبية من خلال تحليل دقيق للنصوص المترجمة ومقارنتها بالأصل الروسي، وفى الواقع، تتميز كل من اللغة العربية واللغة الروسية بالثراء والتنوع فى طريقة التعبير والوصف والأسلوب من الناحية الفنية، وحتى يستطيع المترجم التعامل مع النص الأدبي، فمن الضرورى أن تتوفر لديه معرفة دقيقة بالخصائص المختلفة لكل لغة منهما سواء فى البنية أو الأسلوب أو الدلالة، ومن الضروري أيضًا معرفة القواعد التى تحكم ممارسة الترجمة فى أبعادها المختلفة".
وقد استهل الأكاديمى "كراتشكوفسكى" الدراسات الخاصة بكفاءة الترجمات من الروسية للعربية لأعمال عمالقة الأدب الروسي ألسكندر بوشكين، ليف تالستوى، أنطون تشيخوف، ومكسيم جوركى، وتبعه فى هذا المضمار العديد من علماء اللغة الروس فى فترات لاحقة، وأشار "كراتشكوفسكى" إلى ضرورة الحفاظ على معانى الكلمات وخصوصيتها أثناء النقل، إضافة للرؤية السليمة للتسميات فى النص المترجم، وكما نعلم جميعا، فإن الترجمة الأدبية تحتاج إلى التعامل مع كل لفظ كوحدة فنية لها دلالة خاصة فى سياق التركيب الجمالي الذى يستهدف الإحالة إلى مشاعر بعينها فى نفس القارئ، وهذا يستلزم الحرص الشديد فى التعامل مع النص الأدبى وتحليله تحليلًا دقيقا.
ولفت إلى أن من الأخطاء التى رصدها كراتشكوفسكى على سبيل المثال فى إحدى الترجمات، كلمة بالروسية تعنى شخص "مشلول" أو "معاق" تُرجمت إلى العربية إلى "شخص مدمر"، وهناك أمثلة كثيرة، لكن من أوضح المشاكل فى الترجمة من الروسية للعربية هى ترجمة أسماء الأعلام، فقد كانت الترجمات الأولى تنقل عبر وسيط عن عن اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، مما أدى لحدوث العديد من الأخطاء فى نقل الكلمات بدقة تحافظ على الصوت الأصلى للكلمة كما ينطقها أهلها، وفى هذا الإطار، يجب أن نعلم أن هناك قواعد تحكم مسألة التعامل مع أسماء الأعلام، وجميعها تشير إلى الحفاظ على المقاطع الصوتية للاسم فى لغته الأصلية ونقله كما هو فى اللغة الهدف، ويستثنى من ذلك المقاطع الصوتية التى ليس لها مقابل فى اللغة المترجم إليها، وبما أن اللغة العربية غنية بما يكفى لتستوعب الأصوات الروسية، فلم يكن هناك داع للتغيير، وكان يجب على المترجمين الأوائل الاستعانة بأهل للغة لتجنب تلك المشكلة.
ونجد مثلا لو تأملنا اسم الكاتب الروسى الشهير ليف نيكالايفيتش تالستوى، أن نطق اسمه كان بطرق متعددة، تارة تجده "ليون تولستوى"، وتارة تجده "ليو تولستوى"، أو "ليف تولستوى"، والتسمية الأخيرة شديدة الغرابة لأنها خلطت بين النطق الروسى لاسم "ليف" والتى تعنى أسد بالعربية، وبين التسمية الإنجليزية "تولستوى"، أما التسميات الأخرى مثل "ليون" فهى ترجمة بالفرنسية لاسمه الأول، و"ليو" ترجمة إنجليزية أيضا لاسمه الأول، ووفق القواعد التى تحكم التعامل مع الأسماء أثناء الترجمة، لا يصح مطلقا ترجمة أسماء الأعلام. وقد صارت هذه الأخطاء شائعة إلى درجة تكاد تمنع أو ربما تحارب أية محاولة للتصحيح، ولكن كما ذكرنا هناك قواعد علمية محددة تحكم هذه المسألة.
المترجمة الدكتورة دينا مندور
فيما قال المترجمة الدكتورة دينا مندور، رئيس سلسلة الجوائز الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، إن هناك بعض الأخطاء التى لفتت نظرها خاصة فيما يخص أعمال الفيلسوف والأديب الفرنسى ألبير كامو، مشيرة إلى أن من أوائل من تصدوا لترجمات "كامو" قاموا بترجمة كلمة "Rébellion" ومعناها "التمرد" على إنها تعنى "الثورة" بينما ترجمة الأخيرة بالفرنسية "La revolution"، موضحة أن الفيلسوف الفرنسى كانت له كلمة شهيرة تقول: "أنا مع التمرد ولست مع الثورة، فالثورة تعد بالحرية ولا تأتى بها" لافتة إلى أنه من الصعب يتصدى أحد لترجمة فيلسوف بالحجم "كامو" ولا يأخذ فى اعتباره آرائه، لكن ربما كانت تلك الترجمة مغازلة للتيار الثورى وللثورة، خاصة أن ترجمات "ألبير" بدأت منذ الخمسينيات.
وأضافت دينا مندور فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن رواية "الغريب" رائعة الأديب الفرنسى ألبير كامو، ترجمت منذ فترة الخمسينيات وحتى عام 2013 إلى نحو 13 ترجمة، كل هذه الترجمت استخدمت كلمة "أمى" على إنها ترجمة لكلمة "maman" التى استخدمها "كامو" فى بداية روايته، فتم تم ترجمتها بالعربي على إنها "أمي" وكأنها ترجمة لكلمة "ma mère".
ولفتت رئيس سلسلة الجوائز إلى أنه من الأخطاء الشهيرة أيضا هو أن يكون المترجم على دراية ومعرفة كبيرة باللغة الأصلية التى تترجم منها الرواية، ولا يكون على نفس الدرجة من المعرفة بلغة الاستقبال، وهو ما ينتج بعض المفردات غير المفهومة، موضحة أن فى إحدى الروايات قام المترجم بترجمة كلمة "nuit blanche" وهى تعنى " ليلة أرق" على إنها "ليلة بيضاء" وهو ما أعطى مفهوم مختلف تماما وغير صحيح أيضا.
المترجم والروائى يوسف نبيل
من جانبه قال المترجم والروائى يوسف نبيل، من أشهر الأخطاء مثلا أن نقول ليو تولستوي بدلا من ليف تولستوي، بينما اسمه الأصلي "ليف" وهي تعني بالروسية أسد، أما ليو، فهي تحريف لكلمة أسد "ليف" بالفرنسية، ولأن أغلب ترجمات تولستوي كانت عن الفرنسية فتم نقلها كما هي.
وتابع "نبيل" أما موضوع تالستوي، فأنا لا أنحاز له وإن كنت أتفهم الأمر. في الروسية ثمة طريقة للكتابة وثمة قواعد للنطق، فهي تكتب بالروسية من حيث الحروف "تولستوي" ولكن قواعد النطق جعلت حرف ال o في الكلمة يُفتح فينطق a مخففة. ولكن عند نقل الأسماء يجب أن ننقلها كما تُكتب، لا كما تنطق، لأننا إن سايرنا طريقة النطق سنجد أسماء تصعب كتابتها تمامًا، وسنختلف في طريقة الكتابة. تشيخوف مثلا تصعب كتابته حسب نطقه، ويفدوكيا وغيرها من الأسماء الروسية. وقد اتفق أساتذة اللغة في أغلب العالم على كتابة الأسماء الروسية كما تكتب لا كما تنطق، لذا نجد تولستوي تُكتب بالإنجليزية مثلا: Tolstoy لا Talstoy، الأمر ذاته مع دوستويفسكي وبقية الأسماء، يكتبونها في بقية اللغات بحسب حروف كتابتها في الروسي، لا بحسب طريقة النطق.
وقال نبيل: هناك أيضًا أخطاء منتشرة في صياغة الجملة، هي ليست أخطاء صريحة وإنما ركاكة ترجمية إن جاز التعبير، بمعنى أن المترجم ينقل الجملة الروسية أو الإنجليزية إلى العربية بنفس ترتيبها، دون مراعاة اختلاف البنية اللغوية. فتجد مثلا من المعتاد في الجملة الإنجليزية أن تقال الجملة الخبرية، ثم قال فلان، في العربية نميل إلى العكس، أو تجد في الجملة الروسية والإنجليزية مثلا الحال في أول جملة، فيترجمونها إلى العربية بنفس الترتيب، هي ليست خطئًا لغويًا وإنما بها مسحة من الركاكة.
وأضاف: مثال على اختلاف الكتابة بحسب النطق إن كتبنا تولستوي بحسب نطقها لا كتابتها يمكن أن نكتب: تَلْسْتُوي، حيث أن هناك أسماء يستحيل أن تكتب كما تنطق، فهناك أديب مثلا اسمه فسيفولد جارشن، حتى لو علمت كيفية نطق "فسيفولود" فبالبتأكيد سيكون من المستحيل التوصل لشكل صحيح لكتابتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة