ارتقى إسماعيل باشا حكم مصر يوم 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه سعيد باشا ابن محمد على، فكان همه الأول هو: كيف يتصرف مع شقيقه «مصطفى فاضل»؟
كان الاثنان هما الباقيين على قيد الحياة من أبناء إبراهيم باشا بن محمد على وقائد جيوشه، وتولى «إسماعيل» منصبه طبقا لنظام الوراثة الذى حددته الدولة العثمانية فى أول يونيو 1841، وكانت مصر تقع تحت ولايتها، ويقضى بأن تكون الوراثة بـ«الأرشدية» أى تكون ولاية العهد لأكبر أولاده وأولاد أولاده، حسبما يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل باشا»، مضيفا أن أول ما وجه إليه «إسماعيل» مجهوده بعد أن تولى العرش هو تغيير نظام الوراثة من الأرشد فالأرشد فى ذرية محمد على كلها، إلى الولد البكر فالولد البكر من ذريته، ويعيد «الأيوبى» سبب إقدام إسماعيل على ذلك إلى «اشتعاله بنوعين من أنواع الوقود، لا يدعان نارها تخبو أبدا وهما، الحقد والحب، أما الحقد فعلى الأمير مصطفى فاضل أخيه من غير أمه، وعلى الأمير حليم عمه».
يذكر «الأيوبى» أسباب حقد «إسماعيل» على شقيقه: «مرجع السبب إلى كره والدتيهما المتبادل، الذى كثيرا ما أزعج داخلية (والدهما) إبراهيم الهمام، فوالدتهما كانتا مختلفتى الجنس والميول، بالرغم من تمكنهما الواحد من قلب بعلها السامى، ووحدة تأثيرهما عليه، فلم تكتفيا بتبادل الكره بينهما، بل أشربتاه قلبى ولديهما، واجتهدتا فى جعلهما عدوين لدودين، لاسيما أنهما ولدتا فى شهر واحد وبينما كل منهما تتمنى أن تكون أسبق الاثنين إلى الوضع ليكون ابنها أقرب إلى العرش، مال الحظ إلى جانب (أم إسماعيل)، فشب الصبيان والسنون تنمى بغض كل منهما للآخر، والوالدتان تزكيان نمو هذا البغض، حتى كانت كارثة كفر الزيات التى جعلت إسماعيل ولى عهد السدة المصرية، فلم يعد الأمير وأمه يحتملان النظر إلى المستقبل، وباتا يتمنيان أن يطول عمر (محمد سعيد باشا) أوتقصر حياة (إسماعيل)، فلم يحقق الدهر لهما هذه الأمنية، ولا الأخرى، فمات سعيد وهو فى ظهر حياته، وارتقى إسماعيل عرش جده وهو فى مقتبل العمر (18 يناير 1863).
وقعت «كارثة كفر الزيات» التى يتحدث عنها «الأيوبي» يوم 15 مايو 1858 ومات فيها الأمير أحمد رفعت باشا غرقًا وهو عائد من الإسكندرية إلى القاهرة بقطار خاص، بعد أن حضر وليمة كبيرة دعاه إليها عمه سعيد باشا فى الإسكندرية، وفى طريق العودة سقط القطار فى كفر الزيات، حيث كان الكوبرى مفتوحا لمرور السفن ولم ينتبه السائق، ولأنه كان ولى العهد بحكم أنه أكبر أبناء إبراهيم باشا، أصبح «إسماعيل باشا» ولى العهد الذى جاءه المنصب بالصدفة.. يؤكد «الأيوبى» أن مصطفى فاضل وأهله لم يحتملوا الحياة تحت حكم «إسماعيل» فسافروا جميعا فى منتصف 1٨63 إلى أوروبا، وكان ذلك بعد شهور قليلة من شغل تبوء «إسماعيل» حكم مصر.
أقام «مصطفى فاضل» فى باريس، وحسب الأيوبى: «ربما أدى ذلك البعاد إلى تراخى حبل الضغينة بين الأخوين، خصوصا وأن قلبيهما كانا مجبولين على الطبيعة الطيبة، ولكن الوشاة الذين لم تكن مصلحتهم فى أن يسود الوفاق بينهما، فأخذوا يختلقون من الأكاذيب على الأمير الغائب، ما لم يكن معه بد من الاستزادة فى كره أخيه، بل إنهم لم يحجموا عن تصوير ذلك الأخ النازح فى صورة الرجل المؤامر المخامر، الساعى إلى إهلاك أخيه، لكى يأخذ منه عرشه، وبلغ بهم حبه للخداع والدسائس إلى حد أن ألقوا قنبلة سرا ذات صباح فى حديقة قصر الجيزة، وأسرعوا إلى التقاطها جهرا، وتقديمها إلى إسماعيل حجة دامغة وبرهانا قاطعا على صحة مؤامرات ومخامرات ومساعى أخيه الشريرة».
يؤكد الأيوبى على أن «إسماعيل»: «لم يفطن أن القنبلة كانت فارغة، لا تحمل فى جوفها سوءا مطلقا، وأعتقد اعتقادا ثابتا أن أخاه أراد قتله ليخلفه على عرشه، فأقبل على تغيير نظام الوراثة جذريا كى يقضى على أى فرصة قد تلوح لشقيقه «مصطفى فاضل»، فسعى فى الآستانة لدى السلطان العثمانى»عبد العزيز «ليغير نظام الوراثة ليحصره فى ذريته دون باقى الأسرة العلوية.. يؤكد «الأيوبى» أن إسماعيل أنفق على ذلك مبالغ تجاوزت الملايين من الجنيهات، وكان أخوه «مصطفى فاضل» وعمه «حليم» يبذلان من جهة أخرى كل ما فى وسعهما من أجل إفشال مخططه، لكنه نجح فى مسعاه مقابل ما دفعه من مال للسلطان، ونظير رفع الجزية السنوية المفروضة على مصر من ربعمائة ألف جنيه إلى سبعمائة وخمسين ألفا.
انتقلت ولاية العهد طبقا لنظام الوراثة الجديد إلى توفيق ابن إسماعيل وعمره 14 عاما، وحسب الأيوبى، فإن إسماعيل سعى إلى تجريد شقيقه وعمه من ثروتهما العقارية فى مصر ليقضى على مطامعهما نهائيا فى العرش، فأوفد فى نهاية 1864 إلى مصطفى فى باريس بمن يفاتحه ببيع أطيانه، لكنه رفض، وتكررت المحاولة مرة ثانية ونجحت، وتم الاتفاق على البيع باثنين مليون جنيه إنجليزى وثمانين ألف جنيه إنجليزى، وتم التوقيع على عقد البيع بباريس فى مثل هذا اليوم «22 نوفمبر عام 1866» وسجل فى اليوم السادس والعشرين منه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة