"جمجمتى مغارة، تغصّ بقرون من العتمة" فى عام2011 نشرت مجلة "ايكونوميست" البريطانية تحقيقا عن جغرافية السعادة، وكانت بلغاريا بموجبه واحداً من أكثر البلدان بؤساً وحزناً فى العالم، وفى عام2012 رد الكاتب البلغارى جورجى جوسبودينوف على ذلك التحقيق بتأليف كتاب "فيزياء الحزن"، الذى حقق مبيعات عالية ونال الكثير من الجوائز الأدبية.
تبدأ الكتاب بولادة الكاتب عند شروق وتنتهى بموته عند الغروب، وبين اللحظتين الفارقتين تتداخل حياته بحياة جده وأبيه، ويتداخل ضمير المتكلم بصيغتى المفرد والجمع مع ضمير الغائب فى رحلة ملتبسة، تمتد منذ أوائل القرن العشرين وحتى سنة صدور الكتاب.
الجد الذى وُلد مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وغدا فى شبابه أحد جنود الحرب العالمية الثانية، ثم فقد القدرة على النطق، والابن الذى وُلد مع قيام الدولة الشيوعية فى بلغاريا، وعاش خائبًا وصامتًا، والحفيد الذى فتح عينيّه فى ظل الحكم الشمولي، وخبر ضيق الحياة فى طفولته وأثناء دراسته وأدائه الخدمة العسكرية الإلزامية، ثم شهد السقوط السلس للنظام عام 1989، وعانى من إخفاقات الثورة.
وجورجى جوسبودينوف واحد من أهم الأسماء الأدبية فى المشهد البلغارى الراهن وُلد فى مدينة يانبول عام 1968، له العديد من الكتب فى الشعر والقصة القصيرة والرواية، وبعضها تُرجم إلى ما يزيد على عشر لغات أجنبية
وقد صدر كتابه "فيزياء الحزن" عن دار "جانيت 45" فى صوفيا عام 2012، وفى يوم صدورها بيعت جميع نسخ طبعتها الأولى، وبهذا أصبحت، الكتاب الأكثر مبيعا فى ذلك العام، ونالت الكثير من الجوائز الادبية
للرواية مذاق خاص، يثير شهية القارئ، على الرغم من امتدادها على 340 صفحة من القطع المتوسط فهى لا تعتمد الحبكة النمطية، ولا أسلوب السرد التقليدي، بل تنتمى إلى تيار الوعي، وتقوم على تقنية التداعى والتقطيع المشهدي
إذ يضع الكاتب شظايا ذاكرته فى جمل شعرية مقتضبة، وفقرات قصيرة، تؤلف مشهدا كثيفا، مترامى الأطراف، شديد الإيجاز، يحمل عنوانه المستقل، ينفصل عن سواه بموضوعه القائم بذاته، ويتصل مع باقى المشاهد بالمناخ الروائى العام، وبطريقة اللعب بالمفردات
فى هذه الرواية يلتقط الكاتب لحظات متنوعة ومختلفة من أوجه الحياة فى متاهة سردية الكثير من الأساطير، والتاريخ الشخصى والعائلى والوطني
واستعارات وقصص تمنحنا نظرة عميقة إلى داخل أنفسنا وخارجها؛ الطفولة، الماضى السحيق، التاريخ، والمخاوف الصغيرة والكبيرة، إنه دراسة للحياة ككل فى محاولة لإيجاد معنى لعالم قاسى وبارد وموحش ..
لأن العكس يعنى أن نخسر ميزة الشعور والإحساس وأخيرًا ألّا ننسى أن نتشارك قصصنا مع الآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة