"أحسن.. تستاهل".. هكذا كانت صرخات طفلى الذى لم يتجاوز عمره الستة أعوام، أثناء مشهد انتصار الضابط نور، والذى قام بدوره الفنان أحمد عز، على الضابط الإسرائيلى (إياد نصار) فى فيلم الممر، بينما كان متوترا للغاية، ومتفاعلا مع كل مشهد، يرتفع صياحه متهللا مع كل خطوة يتقدمها الجنود المصريين، نحو تحقيق ضربتهم القاصمة فى عقر دار العدو، بينما يهيمن عليه القلق وهم فى طريق العودة، لأجد نفسى أمام مشهدين، أولهما ملحمة سينمائية نجحت فى إحياء مشاعر عميقة فى القلوب، ربما تستدعيها أوقات الأزمات، بينما كان الثانى يقوده طفلا ربما لا يعرف فى حياته عن الحروب، سوى الأساطير الكرتونية المحببة لدى أقرانه، على غرار "سبايدر مان" والنينجا وغيرها.
يبدو أن التفاعل الكبير من طفلى المدلل كان مزعجا لى أثناء المتابعة، فالفيلم أثار ضجة كبيرة منذ عرضه فى دور العرض، وأود متابعته بقدر من الهدوء، إلا أننى اكتشفت أننى أمام مشهدين كلاهما مكمل للأخر، فالملحمة السينمائية تتجسد أهدافها لحظيا فى براءة طفل، ربما مازال لا يدرك القيمة العميقة لمعانى الانتماء والوطنية، لأجد أبعادا جديدة للعمل الفنى الحقيقى، أهمها ماهية الأثر الذى يتركه فى النفس، ولاسيما إذا كنا نتحدث عن طفل لا تتعدى خبراته حدود غرفته الصغيرة وألعابة ومدرسته، وأصدقائه الصغار.
وهنا تبدو القيمة الحقيقية لـ"الممر"، فى أحياء قيمة الوطن لدى المواطن المصرى وتعزيز مفهوم الوحدة بين المصريين بكافة فئاتهم ومع اختلاف ظروفهم، فى الوقت الذى تكثر فيه المؤامرات من كل حد وصوب، لهدم استقرار المجتمع، خاصة وأن الظروف الراهنة ترقى إلى مرحلة الحرب، وإن كانت الحرب الحالية تبقى أكثر شراسة، فى ظل تحول العدو من أسلوب الحرب النظامية إلى أساليب جديدة، تقوم على الاعتماد على الميليشيات المسلحة تارة، وإطلاق الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى للنيل من استقرار البلاد تارة أخرى، بالإضافة إلى دعوات مغرضة تهدف إلى إعادة البلاد خطوات إلى الوراء، وتقويض ما تم إنجازه فى السنوات الماضية.
نجاح "الممر" ليس نجاحا تقليديا، يقوم فى الأساس على الحبكة الدرامية، والسيناريو، أو حتى القصة، والتى تعد واحدة بين قصص كثيرة ربما لم يتم كشف النقاب عنها ترتبط ببطولات أبناء الجيش المصرى، لا تقتصر على فترة الحرب، بينما مازال يسطرها جنودنا البواسل فى مواجهتهم مع أعداء الحياة، ولكن هو فى حقيقته فى المشاعر المختلطة التى تنتاب المتابع أثناء المشاهدة بين السعادة والقلق، والخوف والترقب والطمأنينة، ليكون الفخر بالجنود المصريين، والثقة فى قوة مؤسستنا العسكرية هو العنوان المرتبط بلحظة النصر فى النهاية.
صيحات طفلى على "الممر" تمثل شهادة "غير مجروحة"، فى حق العمل الاستثنائى، الذى مازلنا نحتاج الكثير على غراره فى المرحلة المقبلة، للارتقاء بمستوى الأعمال الفنية، خاصة فى مجال السينما، والتى ربما شابها بعض الإسفاف لفترات طويلة، تزامنت مع فوضى مجتمعية عانتها مصر لسنوات فى أعقاب ما يسمى "الربيع العربى"، حيث كانت البلطجة والهمجية فى كثير من الأحيان تهيمن على الشاشات لتلهم قطاع عريض من الشباب لاستغلال غياب الأمن والاستقرار فى المجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة