كالعادة فوجئنا بهطول الأمطار وكأن الشتاء جاء فى غير موعده أو جاء بالمصادفة، لتغرق الأحياء وتتوقف حركة السير بالشوارع ونسمع الصرخات والنواح على مواقع التواصل الاجتماعى، البعض حاول استغلال الصور المنتشرة للأمطار فى الشوارع على أنها أزمة تضرب البلاد، وتداولوا هذه الصور على نطاق واسع، وهنا لا أقلل من حجم ما كنا فيه بل لابد أن نضعه فى حجمه الطبيعى لا بالتهوين ولا أيضًا بالتهويل الذى كان على هذه المواقع، مع العلم أن هذا الأمر يحدث فى كل دول العالم لكن الفارق هنا فى إدارة الأزمة من جانب المحليات والأجهزة التنفيذية وشبكات صرف الأمطار، والحكومة أكدت على لسان متحدثها الرسمى أكد عدم وجود إدارة أزمات أصلًا.
لكن هناك مشاهد إيجابية لابد من الإشادة بها والإشارة إليها، وهو تحرك رجال وزارة الداخلية وتعاملهم مع هطول الأمطار على البلاد، حيث سارع رجال المرور والحماية المدنية والقطاعات والإدارات المختصة بالنزول للشوارع لمساعدة المواطنين ومد يد العون لهم.
هطل المطر على البلاد دون استئذان وغرقت أحياء بكاملها فى "شبر مية" كما يقولون، وبالطبع استغل أهل الشر فيديوهات (سواء مصورة بحسن نيه أو مصورة خصيصًا) لإحراج الحكومة، وبالتالى يقال عنها "فاشلة"، ونشط هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعى كما يفعلون كل مرة عند حدوث أى مشكلة.
كنت أسير بأحد شوارع حى السيدة زينب قبل أن تمر بجوارى سيارة شرطة وتتوقف بعد أن تخطتنى بعدة أمتار لينزل منها شاب يرتدى الزى الشرطى الأبيض وعندما اقتربت كان قد غادر، وعندما وصلت للمكان الذى توقفت فيه السيارة وجدت رجلًا طاعنًا فى السن يقف بجوار سيدة مسنة، وسألته عما إذا كان يريد شيئا وشكرنى، ثم استكمل قائلا إنه أمام منزله وأن ضابطًا لا يعرف حتى رتبته وجده وزوجته لا يستطيعان عبور الشارع فتوقف ونزل وساعدهما على العبور، وبدأ الرجل يدعو لشباب مصر ثم أخذ بيد زوجته وبخطوات بطيئة دخلا أحد المحال أسفل منزلهما.
بالطبع أى شاب مصرى يستطيع أن يفعل ما هو أكثر وهذا يحدث فى كل لحظة، لكن هنا لابد أن نشير إلى حرص قيادات الداخلية على التواجد بأنفسهم فى الشوارع وسط المواطنين، بالتزامن مع الأمطار بكثافة يساعدون كبار السن والسيدات والأطفال فى عبور الشارع، فضلًا عن سرعة شفط المياه من الشوارع، وتحريك المركبات بالأوناش والمساهمة فى خلق سيولة مرورية لوصول المواطنين لمنازلهم، بل وكان اللافت للنظر سرعة رد الفعل من القيادات التى كانت متواجدة وتدير الأزمة من الشارع وتقوم بأعمال ليست من ضمن مهامها.
هيئة الأرصاد حذرت منذ فترة من هطول أمطار لذلك جرى تطهير وتسليك الشبكات الطبيعية لتكون جاهزة لاستقبال المياه، لكن واجه الجميع مشكلتين، وهذا كلام الحكومة، الأولى أن كمية المطر التى هطلت ضعف الكمية التى توقعتها الأرصاد، بأنها ستكون كثافتها 7 ملى، لكنها هطلت بكثافة 15 ملى، والمشكلة الأكبر أن هذه الكمية الكبيرة جدًا والمباغتة نزلت فى مدى زمنى صغير للغاية وهو 90 دقيقة، وأن هذه الكمية لو نزلت على مدار ساعات عدة أو على مدار اليوم بأكمله لم نكن لنشهد هذه المشكلة، ولكانت الشبكات استوعبت هذه الكميات تدريجيا وأن كمية المياه قدرت بـ 650 ألف متر مكعب هطلت خلال 90 دقيقة فى بلد لا يوجد به شبكات تصريف مياه أمطار من الأساس، فشبكات الصرف الموجودة فى الشوارع رغم تطهيرها مسبقًا لم تكن قادرة على صرف هذه الكمية الكبيرة من المياه، وكان اللجوء لعربات شفط مياه الأمطار هو الحل، لكن بعضها واجه صعوبة فى الوصول لأماكن التجمعات بسبب التكدس المرورى.
مازال لدينا إرث فى إدارة الأزمات والاستعداد الجاد وجاهزية التعامل فى حال وقوع أزمات وكوارث حتى بعد تحذيرات الأرصاد الجوية من هطول الامطار، ولكن اكتشفنا عدم جاهزية المحليات والأحياء.
نعم لدينا أخطاء ولابد أن نعترف بها لكن أيضًا لابد أن نكون أكثر جراءة ونقول أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولى ليست مسئولة كليا عن هذه الأخطاء ومن الظلم تجميل كل أخطاء العقود الماضية لهذه الحكومة وكأن المطلوب منها العمل بالعصا السحرية.
وقبل أن تشطح بخيالك لابد أن ترجع للوراء قليلًا لتجد أن معظم مخالفات المبانى التى تمت هى التى تضغط على البنية التحتية وخاصة الصرف الصحى تمت فى عهود سابقة، ووصلت ذروتها أثناء أحداث يناير 2011 وما تلاها من سنوات حدثت بها أعلى معدلات بناء مخالف فى مصر.
كل ما سبق ليس تجميلا لوضع بل تذكير بأوضاع معيشتنا الحقيقية التى تعترف بها الدولة وتسعى لتغييرها للأحسن والأفضل لكن أهل الشر لا يرون إلا بقلوبهم السوداء التى لن تنظفها أمطار السماء مهما هطلت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة