هل يحق للجميع أن يمارس النقد أو الشهادة فى حق الغير أو التعليق على كل الأمور، أم أن الأمر يجب أن يكون مقصورًا على المتخصصين فقط، هذه إشكالية كبرى، وسنجد التاريخ والدين والقوانين صاحبة آراء مختلفة فى هذه القضية.
تقول المادة رقم 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "لكل إنسان حق فى حرية التعبير، ولا يجوز التمييز على أساس مستوى التعليم أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسى أو غير السياسى أو الأصل القومى أو الاجتماعى أو الثروة أو الميلاد أو أى وضع آخر".
وفى الدين الإسلامى، حديث عن الذين تقبل شهادتهم، وأكد أن لها 7 شروط منها، الإسلام، العدالة، البلوغ، العقل، القدرة على الكلام، الحفظ والضبط، نفى التهمة، فلا تقبل شهادة الوالد لولده أو العكس، ولا تقبل شهادة العدو على عدوه، لوجود التهمة فى كلا الحالين.
ويذهب كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لـ ابن نجيم الحنفى، إلى باب من لا تقبل شهادته:
الأعمى
لأن أداءه يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر، وقت الشهادة قبل التحمل أو بعده.
المملوك والصبى والكافر
لأن الشهادة من الولاية ولا ولاية لهما على نفسهما فالأولى أن لا يكون لهما على غيرهما ولاية، والصبى إذا بلغ فشهد فإنه لابد من التزكية وكذا الكافر إذا أسلم، والمملوك إذا اعتق لأنهم أهل للتحمل، لأن التحمل بالشهادة والسماع يبقى إلى وقت الأداء.
المحدود فى قذف والمشهور بالكذب ولو تاب
لا تقبل شهادته لقوله تعالى: "ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا" ولأنه من تمام الحد لكونه مانعًا فيبقى ولو بعد التوبة كأصله بخلاف المحدود فى غيره، ويستثنى من ذلك الكافر الذى حُدَّ فى قذف ثم أسلم، والمعروف بالكذب لا تقبل شهادته، لأن من صار معروفاً بالكذب واشتهر به لا يعرف صدقه من توبته.
الولد لأبويه وجديه وعكسه
أى لم تقبل شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه للحديث ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة ولهذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم فتكون شهادة لنفسه من وجه وأطلق الولد فشمل الولد من وجه فلا تقبل شهادة ولد الملاعن فأحكام البنوة ثابتة له.
أحد الزوجين للآخر
لا تقبل شهادة أحدهما للآخر للحديث ولأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود فيصير شاهدا لنفسه من وجه أو يصير منهما.
السيد لعبده ومكاتبه
لأنها شهادة لنفسه من كل وجه إن لم يكن عليه دين ومن وجه إن كان عليه دين؛ لأن الحال موقوف مراعى .الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما
لا تقبل شهادته، لأنه شهادة لنفسه من وجه لاشتراكهما قيد بما هو من شركتهما لجوازها بما ليس من شركتهما لانتفاء التهمة.المخنث
المخنث هو الذى يباشر الردىء من الأفعال كتشبهه النساء فى الفعل والقول؛ فردت شهادته لفسقه.المغنية والنائحة
لارتكابهما محرما لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية أى صوتهما.العدو عداوة دنيوية
لم تقبل شهادة العدو لأجل الدنيا؛ فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه وقيدت العداوة بكونها دنيوية للاحتراز عما إذا كانت دينية فإنها لا تمنع من قبول الشهادة.ومدمن الشراب
فلا تقبل شهادة المداوم على شرب ما لا يحل شربه، وشرط الإدمان ليظهر ذلك عند الناس فإن من اتهم بشرب الخمر فى بيته لا تبطل عدالته وإن كانت كبيرة وإنما تبطل إذا ظهر ذلك منه.مربى الحمام
كون ذلك يورث الغفلة، وهو محمول على ما إذا كان يقف على عورات النساء لصعوده سطحه ليطير طيره فأما إمساك الحمام فى بيته للاستئناس لا يسقطها؛ إلا إن كانت حماماته تجر حمامات أخر مملوكة لغيره فتفرخ فى وكرها فيأكل ويبيع فتسقط عدالته ولا تقبل شهادته حينها .
من يغنى للناس
لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة، وظاهره أن الغناء كبيرة وإن لم يكن للناس بل لإسماع نفسه دفعا للوحشة وهو قول ابن تيمية والإمام السرخسى لقولهما بعموم المنع، وأجاز بعض العلماء سماع شهادة من يغنى للناس فى عرس أو وليمة ومنهم من جوزه لإسماع نفسه دفعا للوحشة ومنهم من جوزه ليستقيد به نظم القوافى وفصاحة اللسان، وفى فتح القدير التغنى المحرم هو ما كان فى اللفظ ما لا يحل كصفة الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والديريات والحانات والهجاء لمسلم أو ذمى إذا أراد المتكلم هجاءه، وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم، وفى ذلك تفصيل كثير لم يدون منعاً للإطالة .من يرتكب ما يوجب الحد
لفسقه وهو من يرتكب كبيرة أى ما فيه حد بنص الكتاب، وقيل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة، وقيل كل ما يكون فيه منابذة المروءة وقيل أن يكون مصرا على المعاصى والفجور .من يدخل الحمام بغير إزار
لفسقه فكشف العورة حرام ورأى أبو حنيفة رجلا فى الحمام بغير إزار فقال ألا يا عباد الله خافوا إلهكم ولا تدخلوا الحمام من غير مئزر .آكل الربا
المراد بآكل الربا، آخذه وقلنا آكلاً تبعا للآية { الذين يأكلون الربا } والربا محرم لقوله تعالى : { وحرم الربا } وآخذه قد أرتكب كبيرة فلا تقبل شهادته، إلا أن بعض العلماء قيد رد شهادته بأن يكون مشهورا بذلك .المقامر بالنرد والشطرنج أو من تفوته الصلاة بسببهما
لأن كل ذلك من الكبائر مع تقييد اللعب بالمقامرة أو الاشتهار بتفويت الصلاة بسبب ذلك، دون اللعب المحض فهو مباح عند مالك والشافعى ومروى عن أبى يوسف، وأطلقه البعض لكثرة الحلف فى الشطرنج ولو دون مقامرة وقِيسَ النرد عليه .من يأكل أو يتبول على الطريق
بقيد بأن يكون ذلك بمرأى من الناس ومثله من يكشف عورته ليستنجى من جانب البركة والناس حضور، ومع أن الفعل بذاته مباح إلا أن صاحبه قد أتى بما يخل بمروءته ويخرمها ويبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل، ومن كان لا يستحى عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب فيتهم .من يظهر سب السلف
لفسقه وقُيِدَ ذلك بالظهور ؛ لأنه لو كتمه لقبلت شهادته كون العدالة تسقط بسب مسلم وإن لم يكن من السلف، ومجرد التبرؤ دون السب لا يسقطها .
شهادة الأخ لأخيه أو عمه أو أحد أبويه رضاعا وأم امرأته وبنتها وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه ) : لوجود التهمة ؛ وفيه تفصيل لم أذكره منعاً للإطالة .
أهل الأهواء إلا الخطابية تقبل شهادتهم ؛ ففسقهم من حيث الاعتقاد وما أوقعه فيه، فصار كمن يشرب المثلث أو يأكل متروك التسمية عامدا مستبيحا لذلك بخلاف الفسق من حيث التعاطى والهوى مقصورا ميل النفس إلى ما تستلذ به من الشهوات من غير داعية الشرع، وأهل الهوى ستة الجبر والقدر والرفض والخروج والتشبيه والتعطيل ثم كل واحد يصير اثنى عشر فرقة كما فى النهاية، والخطابية قوم من الروافض ينسبون إلى أبى الخطاب يدينون بشهادة الزور لمن وافقهم على مخالفيهم فلا تقبل شهادتهم .
الذمى
لا تقبل شهادته على غيره من المسلمين إلا أن شهادته على مثله من الذميين تقبل لأنه عليه الصلاة والسلام أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض ؛ ولأنه من أهل الولاية على نفسه وأولاده الصغار فيكون من أهل الشهادة على جنسه .
الحربى
لا تقبل شهادته إلا على مثله من الحربيين، ولا تقبل شهادته على الذمى ؛ والمراد بالحربى المستأمن ؛ لأنه لا يتصور غيره فلو الحربى دخل بلا أمان فهذا استرقاق ولا شهادة للعبيد .
المصر على الصغائر دون ارتكاب الكبائر
فلا تقبل شهادته أما من ألم بصغيرة دون إصرار عليها فتقبل شهادته ومدار ذلك العدالة وهى أن يكون المرء مجتنبا للكبائر غير مصر على الصغائر وأن تكون مروءته ظاهرة .الأقلف
وهو الكبير الذى لم يختتن بغير عذر لم تقبل وقيده فى الهداية بأن لا يتركه استخفافا بالدين وما عدا ذلك فتقبل .العمال
المراد بهم عمال السلطان عند عامة المشايخ ؛ والظاهر أن تقبل شهادتهم لأن نفس العمل ليس بفسق إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم .المعتق للمعتق
الأول بفتح التاء وهو العبد والثانى بكسره وهو السيد، فلا تقبل شهادته لسيده، أما العكس فتقبل الشهادة حيث لا تهمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة