فى الوقت الذى حقق فيه الرئيس التونسى الجديد قيس سعيد فوزا كبيرا فى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، التى شهدتها البلاد أمس الأحد، يبدو أنه على موعد مع تحديات صعبة، لا تقتصر على المعوقات الاقتصادية والسياسية، فى إدارة المرحلة المقبلة، فى ظل حالة الغضب الداخلى فى الشارع التونسى جراء ما أسفرت عنه السنوات الماضية من تقلبات أدت إلى زيادة كبيرة فى معدلات البطالة، وموجة من الغلاء، ولكنها تمتد إلى الحفاظ على ثقة المواطن التونسى فى مرحلة تبدو مفصلية فى تاريخ البلاد، مع حالة أشبه بالتمرد على أوضاع البلاد منذ عام 2011.
حالة التمرد التونسى على الأوضاع ظهرت فى العديد من المراحل، أبرزها فى 2014، مع خروج المتظاهرين فى الشوارع بكثافة احتجاجا على سياسات حركة النهضة التونسية، والتى استحوذت على أغلبية البرلمان فى أعقاب "الربيع العربى"، وشريكهم آنذاك الرئيس الأسبق المنصف المرزوقى، وهو الأمر الذى دفع قائد حركة النهضة راشد الغنوشى إلى استباق إقالته من قبل الشارع بالدعوة إلى انتخابات مبكرة أقصته عن المشهد، فى حين كانت الانتخابات الأخيرة مرحلة جديدة، تجسدت فى التمرد على الأحزاب التى ولدت من رحم "الفوضى"، عبر حصول مرشحين مغمورين إلى الجولة النهائية فى السباق الرئاسى التونسى.
ولعل أهم ما رجح كفة قيس سعيد فى جولة الإعادة، على حساب نبيل القروى، هو أن الأول لا ينتمى لأى أحزاب سياسية، وبالتالى لا يبقى متقيدا بتلك الأيديولوجيات التى طالما أعاقت الحكومات السابقة عن تحقيق طموحات المواطن التونسى، فى انعكاس صريح لحالة الرفض الصريح من قبل الشارع للأولويات الحزبية الضيقة، فى الوقت الذى يعانى فيه المواطنون من جراء السياسات السابقة.
وهنا يكمن التحدى الحقيقى الذى يواجه الرئيس الجديد لتونس، فى ظل إعلان حركة النهضة التونسية دعمها له قبل جولة الإعادة، والذى يمثل محاولة صريحة لتوريط الرئيس الجديد فيما يمكننا تسميته بـ"فاتورة" انتخابية، ليصبح التساؤل عما إذا كان سعيد مديونا للمواطن التونسى، أم لأجندات حزبية، تهدف إلى الدخول بالبلاد إلى مرحلة جديدة من الانقسام والتشرذم، والأزمات فى المرحلة المقبلة.
النجاح الذى حققه قيس سعيد جاء بفضل تحرره من القيود الحزبية، والأجندات الأيديولوجية، فاختاره التونسيون باعتباره مواطنا منهم يشعر بما يشعرون، وبالتالى فإن نجاح حقبته يرتبط فى المقام الأول فى قدرته على الحفاظ على نهجه ورؤيته، عبر توحيد التونسيين، والعبور بهم من الأزمات المحيطة بهم فى السنوات الماضية، ليصبح رئيسا لكل التونسيين، وليس مخولا من قبل فئة بعينها، اعتادت أن تأكل على كل الموائد لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية معروفة للجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة