لحظة مجيدة تعكس روح مصر الأصيلة، المسلمون والمسيحيون فى مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة ليلة عيد الميلاد المجيد، الرئيس السيسى وكبار مسؤولى الدولة والإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس معا فى الافتتاح، ومعا فى التعبير عن الوحدة الوطنية التى هى سمة غالبة فى المجتمع المصرى، هذا هو البلد الذى نحيا فيه ويحيا فينا، هذا هو البلد الذى كان دائما ويكون بتضحيات أبنائه وصلابتهم فى مواجهة المؤامرات والأخطار، وهذا هو البلد الذى يقدم النموذج للعالم على مر التاريخ.
لم يكن غريبا إذن أن يدمع المصريون من الفرحة والانبهار بقدرتهم على الإنجاز فى أصعب الأوقات، ورغم موجات الشائعات والحرب النفسية التى تسعى لإحباطهم وتيئيسهم والتفرقة بينهم، ولم يكن غريبا أيضا هذا الانبهار من كل مراكز صنع القرار فى العالم، ترامب يغرد محتفيا بأكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط ومحتفلا بقدرة الرئيس السيسى والمصريين على إنجاز الوحدة الوطنية واحتواء كافة عناصر النسيج المصرى، وبابا الفاتيكان يصف اللحظة بالعظيمة والفريدة ويشكر الرئيس السيسى والحكومة المصرية، والاتحاد الأوربى ومسؤولوه ورؤساء الدول يعقبون بعبارات الإطراء والتمجيد، لكن الأهم من ذلك هو شعور المصريين بوحدتهم الغالبة من جديد وانتصارهم الرمزى والميدانى على كل دعاة الانقسام والفتنة والطائفية والكراهية.
الرئيس السيسى فى كلمته خلال افتتاحه كاتدرائية ميلاد المسيح لم يتحدث عن شهداء الجيش والشرطة فقط، ولكنه احتفى بكل المصريين الذين شاركوا بتضحياتهم فى مواجهة ما يراد لنا من أهل الشر، مشيدا بالروح المصرية الغلابة: «لن نسمح لأحد أن يؤثر علينا، نحن جميعًا واحد، وهنفضل واحد، ونسجل اليوم معنى شجرة المحبة التى غرسناها لبعض، ومحبتنا لبعضنا البعض.. هذه الشجرة لازم نحافظ عليها ونخلى بالنا منها ونكبرها حتى تخرج ثمارها من مصر للعالم كله، من خلال المحبة والتسامح والتآخى بين الناس وبعضها، الفتن لن تنتهى، وربنا سبحانه وتعالى حفظ مصر وسيحفظها لأجل وخاطر أهلها».
نعم الفتن لن تنتهى، كما قال الرئيس، والمخطط القديم لتفتيت المجتمع المصرى لم يختف أبدا، والتاريخ يقول لنا إن الاحتلال الفرنسى حاول استخدام هذا المخطط للإيقاع بين فئات وطوائف المصريين لكنه فشل، ومن بعده الاحتلال الإنجليزى حاول طوال سبعة عقود نشر الفتنة الطائفية وتقسيم المصريين إلى طوائف وأقليات معلنا حماية السلطات البريطانية للأقليات وغير المسلمين، لكن القساوسة خطبوا فى الجامع الأزهر، والمشايخ ألقوا العظات على منابر الكنائس، وخرج شعار ثورة 1919 «يحيا الهلال مع الصليب»، والأمر تكرر نفسه قبل حرب 1956 والعدوان الثلاثى على مصر، كما تكرر فى الثمانينيات والتسعينيات بعدما اخترعت الإدارات الأمريكية مصطلح أقباط المهجر، ووظفت مجموعة من المهاجرين من أصل مصرى للضغط على القيادة المصرية فى ملفات السياسة الخارجية والقضية الفلسطينية.
وإذا كان التاريخ الحديث أصبح بعيدا نسبيا فى الذاكرة الجمعية، فإننا مازلنا نذكر جميعا ما حدث لنا خلال السنوات القليلة الماضية، وكيف تعرضنا لأكبر عملية خداع وتضليل وقصف مكثف لأدمغتنا لإدخالنا فى دوامة الحرب الأهلية مثل غيرنا من بلدان المنطقة، ورأينا جماعة الإخوان الإرهابية وذيولها وخلاياها وحلفاءها من المجموعات المتطرفة تعتدى على الكنائس وتحرقها وتعتصم بالميادين وتخزن الأسلحة وترتكب جرائم القتل وتحرق أقسام الشرطة وتقتحم السجون لإطلاق المحكوم عليهم جنائيا، لا لشىء إلا لإرباك المجتمع ونشر الفوضى والسماح لجميع العناصر الخارجة عن القانون بمهاجمة مؤسسات الدولة دفعة واحدة لتسجيل أن الدولة سقطت والعياذ بالله.
فى تلك اللحظات التى اقترن فيها المساس بهيبة الدولة وسطوتها مع النزيف الاقتصادى وموالاة جماعة الإخوان الإرهابية لأعداء البلد لتمرير المشروع الصهيوأمريكى فى المنطقة ومصر، هب المصريون جميعا فى 30 يونيو ليعلنوا أن مصر المحمية برعاية الله لن تسقط، وأن النسيج المصرى عصىّ على التمزيق، وقال الرئيس السيسى عبارته الشهيرة، «نموت كلنا ولا إن حد يقرب من أرضنا»، وقال البابا تواضروس عبارته الشهيرة عندما حاولت بعض العناصر تأليبه على الدولة المصرية بعد إحراق الإخوان الكنائس: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، نعم كلنا فداء لمصر وبلدنا أكبر من أى تهديد، هذا هو الدرس الخالد الذى نتعلمه دائما ونحيا به، وتحيا مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة