منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا، كنت جالسة أمام التليفزيون، أشاهد أحد البرامج الفنية، على إحدى القنوات الفضائية فى السهرة، وكانت الفنانة الاستعراضية الجميلة نيللى هى ضيفة الحلقة، وأذكر سؤالاً سألته لها المذيعة، ورغم مرور كل تلك السنوات، لم أنسَ رد فعل نيللى على السؤال، وإجابتها التلقائية، والسؤال كان: "هل أحببتِ من قبل رجلاً من طرف واحد؟" فنظرت نيللى أمامها، وفى عينيها نظرة شاردة، لم تستغرق لحظات، ثم ابتسمت ابتسامتها الطفولية المعهودة، وردت: "مكانش حب من طرف واحد، نقول مكانش يستاهل".
لا أدرى لماذ أعجبتنى إجابتها بشدة، لدرجة أننى ابتسمت بهدوء، وقلت بداخلى فعلاً: "هناك أشخاص ماتستاهلش"، فمثلا من تمنحه ثقتك، وتظن أنه سيدافع عنك، ولن يقبل إهانتك، حتى من أقرب المقربين إليه، ثم تجده سلبيًا فى رد فعله، بل يحاول النيل منك لحساب الآخرين، قول عليه مكانش يستاهل. ومن تُجْرح كرامتك من أجله، ولا تُحاول تشويه صُورته أمام الآخرين، وتقبل التجريح من أجله، ورغم ذلك يخذلك، ولا يأخذ صفك، قول عليه مكانش يستاهل.
ومن ترسم له صورة رائعة فى مُخيلتك، لدرجة أنك تجعله شخصية أسطورية، وتكتشف أنه أجوف من داخله، لا يُفكر إلا فى مصلحته فقط، حتى لو كانت على حسابك، وعلى حساب مشاعرك، قول عليه مكانش يستاهل. ومن تحميه وتُدافع عنه، ولا تقبل أى كلمة تُقَال عليه، ولا يُبادلك نفس السلوك، قول عليه مكانش يستاهل. ومن يخدعك بكلمات معسولة، ويُعاهدك ويعدك، ويُقسم لك على أشياء، ولا يَبَرّر بها؛ من أجل مصالحه الخاصة، قول عليه مكانش يستاهل. ومن لا يرى إلا نفسه، ولا يتألم إلا من أجل نفسه، ولا يتأثر بدموعك، ولا يحتضنك فى آلامك، ولا يشعر بمأساتك، قول عليه مكانش يستاهل. ومن يتكبر على الاعتذار، ويظن أنه إله مُنزه عن الخطأ، ومن ليس لديه قُدرة على حسم المواقف، لدرجة تُفقدك احترامك لشخصه، قُول عليه مكانش يستاهل.
من الآخر، هناك مواقف كثيرة فى الحياة، يتعرض لها الإنسان، وتُسبب له الإيذاء النفسى من الآخرين، لدرجة قد تُصيبه بالاكتئاب، وأحيانًا فُقدان الثقة بنفسه، وفيمن حوله، والسبب ببساطة، أنه يُلقى بعبء وتداعيات المواقف على سُوء تقديره، وكأنه يرى من جميع الجوانب، ولا يفكر للحظة فى أن المشكلة تكمن فى الطرف الآخر، هو اللى مكانش يستاهل.
الواقع أن الحياة مليئة بأشخاص لا تستحق أن تمنحها لحظة واحدة من تفكيرك، وللأسف هذه الحقيقة لا تظهر إلا مع المواقف، فأنت تجد نفسك مُضحيًا وشجاعًا وكريم الخلق، وصبور، وإنسان لأقصى درجة، وهم مجرد أصنام لا تشعر أو تحس، وإذا حدثت المعجزة، وتحرك الشعور بداخلهم، فهذا الشعور يكون حِكْرًا على أنفسهم، فهم يشعرون فقط بأنفسهم، واحتياجاتهم ومصالحهم، أما أبعد من ذلك، فبطارية الإحساس تتوقف، ولا تقبل الشحن، باختصار، هذا هو الإنسان الذى يستحق وبجدارة أن تقول له بملء فمك: "مكانش يستاهل".
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
ده حكمة
المقال ده حكمة طويلة