مرهقة تلك المعارك التى تستنزف طاقة ووقت الوطن دون عائد أو نافع، هى فقط معارك انتقام وتصفية حسابات وخلافات وإرضاء لأهواء تيارات وأشخاص على حساب الوطن ذاته.
لم يعد الوقت مناسبا، ونحن نخوض كل هذه التحديات على مستوى البناء ومحاربة الإرهاب والمؤامرات الإخوانية لإرباك وإحباط المصريين، أن نترك مصر تعيش فى المنتصف بين ميدانين الأول يهتف 25 يناير هو عيد الثورة، والثانى يهتف 25 يناير هو عيد الشرطة ولكل ميدان متطرفوه ومجانينه من البشر، وفى كل ميدان منجانيق يقذف حجارة التخوين والعمالة والإساءة والإهانة على الآخر، وفى المنتصف لا تحصل مصر منهما سوى على التدمير، تدمير نسيجها المجتمعى وإهدار وقتها المخصص للبناء والتغطية على ما يتم على الأرض من تطور وإنجازات فى قطاعات مختلفة، مثل الطاقة والعشوائيات والبنية التحتية.
العقل يقول إن مصلحة مصر أهم من الجميع، أهم ممن يراه عيدا للشرطة، وأهم ممن يراه عيدا للثورة، هى ليست لعبة طفولية يشبع بها كل تيار أو كل مستفيد روحه ومزاجه ومصلحته على طريقة أوبريت الأطفال الذى أنتجه التليفزيون المصرى عام 1996، وكانت تغنى فيها الفنانة الكبيرة نيللى مع الأطفال: «إوعى سيبى اللعبة بتاعتى - لا دى بتاعتى - يا سلام يا ختى - متشدش طب يلا سيبيها - لا دى بتاعتى - لا دى بتاعتى - ما تشدش - ما تشديش إنتى»، واستمروا فى فعل ذلك حتى مثلما تمزقت أوصال اللعبة، وهو ما لا يجب أن يحدث فى الواقع لأن مصر ليست لعبة، ومصر أكبر من أن يتجاذبها أصحاب هوى ومصالح وأهل مكايدة.
عرفنا 25 يناير على مدار سنوات طويلة بأنه عيد الشرطة المصرية، ذكرى ملحمة بطولة خاضها رجال البوليس المصرى فى الإسماعيلية ضد المحتل الإنجليزى وصنع أيقونة للفداء والشجاعة يفخر بها العالم أجمع، هو عيد الشرطة بحكم الذكرى والدم والتضحية والاستشهاد، ولكنه لن يشكو ولن ينقصه شىء إن أصبح يوما لعيدين، عيد ضحى فيه المخلصون من رجال الشرطة بدمائهم من أجل الحفاظ على الوطن، وعيد انتفض فيه المخلصون وضحى بعضهم بدمائه أيضا من أجل الحفاظ على الوطن وصناعة مستقبل أفضل للجميع .
الإمام الشافعى رحمه الله اختلف ذات مرة مع أحد أصدقائه، وذهب إليه بنية الصلح قائلا: «يا فلان أتجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة»، والمسألة هنا هى الوطن، والاجتماع حوله أهم من باقى نقاط الخلاف ووجهات النظر المتعارضة.
25 يناير باختصار هو يوم للالتفاف حول الوطن، شاء القدر أن يجعله عيدا لأهل الإخلاص، المخلصين من رجال الشرطة الذين قدموا ومازالوا يفعلون أرواهم لحفظ أمن واستقرار مصر، ومثلما ضحوا بدمائهم فى الإسماعيلية قبل عشرات السنوات، ضحوا أيضا بأرواحهم لحماية الوطن من كل بلطجى ومتآمر وإرهابى أراد استغلال أيام التيه والارتباك وانشغال الناس فى ميادين التظاهر لتخريب هذا الوطن، وهو أيضا عيد المخلصين من الشعب المصرى الذين خرجوا فى 25 يناير 2011 يطلبون مستقبلا أفضل لوطنهم وأولادهم، ولا يجوز أبدا أن تحاسب هؤلاء المخلصين بذنب نظام شديد الهشاشة وكيانات سياسية مهتزة وضعيفة، سمحت سواء عن قصد أو عن غباء أو عن خيابة وخيانة، أن تسرق ثورة الناس البسيطة والمخلصة لصالح جماعات وتيارات تريد الفوضى والخراب، كما لا يجوز أن تحاسب رجال الشرطة وتاريخهم البطولى وجهدهم فى حفظ الأمن بذنب أخطاء فردية أو سلوك لبعض الأفراد المنتمين للمنظومة.
إذا أردت أن تحاسب أحدا على الفوضى، لا تحاسب جموع الشعب المخلصة التى خرجت فى يناير بحلم تغيير الوطن إلى الأفضل، حاسب نظام مبارك، لأنه أوهمك بأنه أسس دولة قوية، ثم اكتشفت أنت مدى هشاشتها حينما انهارت فى أيام، وها نحن منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن نسعى ونجتهد فى برامج إصلاح اقتصادى وسياسى واجتماعى وتعليمى لعلاج ما أفسدته تراكمات 30 سنة من المسكنات فى عهد الرئيس الأسبق.
أنت أيضا عزيزى مدعى الثورية، لا تتخيل أنك ستكون الناشط الثورى الجبار المناضل، حينما تهتف وتقول بأن 25 يناير عيد الثورة وليس عيد الشرطة، لا أنت ولا ثوريتك المزيفة ستغير التاريخ والحقيقة، لأن جهاز الشرطة المصرى على مر العصور به من المخلصين والأبطال والشهداء من هم أشرف وأكثر إخلاصا ووطنية منك ومن السائرين فى ساحات تويتر بتغريدات وهمية عن الثورة والنضال، كشفت لنا تناقضات الأيام مدى زيفها وكيف كانت مدفوعة الأجر لا مدفوعة بحب الوطن ومصلحته.
هى ليست معركة، ولا «خناقة»، 25 يناير باختصار هو عيد للمخلصين الذين أحبوا هذا الوطن واجتهدوا من أجل تغيير مستقبله إلى الأفضل وضحوا بأرواحهم من أجله سواء كانت بدلتهم «ميرى» أو كانت «مدنى» المهم أنهم أحبوا الوطن دون طمع فى مقابل، بخلاف مدعى الثورية ومحتكرى الوطنية الذين تحركهم مصالحهم الخاصة أو مصالح تياراتهم وجماعتهم أو من يدفع لهم أكثر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة