تتصور الأجهزة الأمنية الغربية أنها قادرة على احتواء خطر التطرف الإسلاموى وجنون أعضاء التنظيمات الإرهابية الخطرة بمزيد من تعزيز الوجود الأمنى واختراق مجموعات المهاجرين وغير المسيحيين على أراضيها وتدعيم الميزانيات المخصصة للتحركات الأمنية خارج الحدود، لكن الأيام والحوادث تثبت تهافت وسذاجة هذا الطرح وتكلفته المرعبة المتزايدة باستمرار دون نتائج حاسمة، وهذا يدفعنا لسؤال جوهرى، لماذا تصر الإدارات الغربية على صناعة العدو الإسلامى الذى تحاربه؟ ولماذا تستمر فى استخدامه لاحتواء وتدمير البلاد العربية الإسلامية؟
لثلاثة عقود ظلت الإدارات الغربية تستثمر فى صناعة العدو الإسلامى- الخطر الأخضر، بديلا عن العدو السوفيتى الشيوعى- الخطر الأحمر، وأنفقت مليارات الدولارات على مراكز الأبحاث وبنوك الأفكار التابعة لوزارات الخارجية وأجهزة الاستخبارات، حتى تبلورت نظرية صدام الحضارات لمؤسسها وعرابها برنارد لويس ومؤلفها الرئيسى صامويل هانتينجتون، الذى انطلق من طرح لويس الأساسى ليضع مؤلفا أصبح من كلاسيكيات السياسة الغربية التى تدور فى فلكه الأبحاث والنظريات والبرامج العملية للتعامل معنا نحن العرب والمسلمين المتخلفين الذين نعيش على أراض استراتيجية ونمتلك ثروات طبيعية هائلة.
الإدارات الغربية مازالت غارقة فى طروحات لويس- هانتينجتون وغيرهما من عرابى صدام الحضارات، لأن الحضارة الغربية أصلا لا تستطيع العيش من غير اختلاق عدو، وليس لديها عدو بديل للخطر الأخضر رغم صحوة روسيا الجديدة التى حلت محل الاتحاد السوفيتى، ورغم صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية مهولة تستطيع دحض مقولة نهاية العالم القديم، وبزوغ عالم أحادى القطب الذى تتربع على عرشه واشنطن، مثلما كانت بريطانيا تتربع على قمة العالم فى القرن التاسع عشر.
ومع صعود روسيا والصين فى مواجهة الولايات المتحدة، وتصدع المعسكر الغربى بفعل السياسات الترامبوية التى ترفع شعار «أمريكا أولا» وتضع حلفاءها فى أوروبا الغربية وشرق آسيا فى خانة واحدة مع الصين وروسيا على صعيد التنافس الاقتصادى، إلا أن الإدارات الغربية مازالت تعتمد على الثابت من برامجها السياسية واعتماداتها المالية الموجهة نحو صناعة الوحش الإسلاموى المتطرف، وفى الوقت نفسه إطلاق الحروب الإعلامية عليه وتصوير الأمر على أنه حرب حضارية غربية ضد المتخلفين أعداء الحضارة- نحن فى المجمل- وفى هذا السياق يمكن نهب ثرواتنا من جديد وإعادة تقسيم أراضينا مرة أخرى وتوجيه الحملات الاستعمارية نحونا بأساليب جديدة ومتطورة.
هل يمكن أن يستمر هذا العمى الاستراتيجى طويلا؟ الاحتمال الأرجح أن يستمر هذا النهج الغربى فى التعامل مع الجماعات الإرهابية المرتبطة بالإسلام السياسى، لأنها من ناحية مخترقة من الأجهزة الاستخباراتية الغربية وممولة منها بالكامل، ومن ناحية أخرى فهى فى عمومها تنفذ أدوارا وعمليات قذرة تجنب الاستعمار الغربى الجديد التورط فى حروب ميدانية تكلفه خسائر بشرية كبيرة، وحتى الآن ما زالت الإدارات الغربية تضع أجندة الاستعمار الجديد والسيطرة على موقع وثروات الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان إلى المغرب وحتى نيجيريا جنوبا، فى مقدمة أولوياتها.
إذن متى تضطر الإدارات الغربية لإعادة ترتيب أجندتها وتتوقف عن دعم وصناعة وحش التطرف الإسلامى والميليشيات والتنظيمات المتطرفة؟ متى تكتشف أن مسار تحركاتها السياسية سيجلب عليها خسائر فادحة؟ عندما تتوالى الضربات العشوائية من الخلايا المتطرفة فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، وعندما تقع حادثة ضخمة مثل تفجير برجى التجارة العالمية فى 11 سبتمبر 2001، أو عندما تنتج المفرخة الإرهابية الجشنونة تيارات سياسية متشددة تهدد طبيعة المجتمعات الأوروبية، وهنا ستكتشف الإدارات الغربية أن الوحش الإرهابى ومرتزقة الجماعات المتطرفة لا يمكن السيطرة عليهم، لأن الجرثومة الأساسية فى عقولهم تقوم على تدمير الجماعات التى آوتهم ومنحتهم ملاذات آمنة بهدف تحقيق التصميم الوحيد الذى يظنون أنه المعبر عن المجتمع الإسلامى النقى، وساعتها ستتخلى الإدارات الغربية عن خيار العمى الاستراتيجى التى تتبعه وتلتفت إلى جهود دول رائدة فى مكافحة الإرهاب وتتبنى نهجها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة