عصام شيحة

حكاية «حكومة الظل» «2»

السبت، 19 يناير 2019 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتصور أن تعبير «حكومة الظل» لا يلقى عندنا التقدير الكافى، وربما لا يحظى باهتمام النخبة، ما بالك بالعامة من الناس، ولا شك أن فى ذلك دلالة مؤكدة عن تردى وضعية مفاهيم كثيرة ارتبطت بالمجتمعات الديمقراطية، لعل أهمها سيادة القانون، والرقابة والمساءلة، وقبول الرأى الآخر بشكل عام، فيما ينتج بالفعل إطاراً حاكماً للحكم الرشيد، وعليه فإن «حكومة الظل» فى الأصل ما هى إلا أداة ديمقراطية، تنهض بدور حقيقى وفعال فى الأنظمة السياسية الديمقراطية.
 
وقد لاحظت مؤخراً إفراط الأحزاب المصرية، دون سند من قدرات وكوادر سياسية قادرة على تحقيق مضمونه، الأمر الذى يعرض مفهوم «حكومة الظل» إلى تشويه مشابه لما ناله مفهوم «الأحزاب السياسية» من تشوهات جراء ظهور أحزاب لا دور لها على الإطلاق إلا الوجاهة الاجتماعية، والسعى وراء مصالح شخصية، ومن ثم فقدت الأحزاب مصداقيتها وشرعية تمثيلها للشعب، ولى أن أضرب مثالاً عايشناه جميعاً أثناء كل انتخابات برلمانية، إذ تجد المرشح هو الذى ينال ثقة الناخب، أو قل بالأحرى حبه، أو بالأجدر انتماءه، مهما كان الحزب الذى يترشح تحت لوائه، ومن هنا كان صراع الأحزاب على المرشحين أصحاب الشعبية، ولا تجد من يترشح حزبياً طمعاً فى شعبية الحزب!
 
والحال كذلك، فإن التوسع الحزبى فى استخدام آلية «حكومة الظل»، وهى الأداة الديمقراطية المعتبرة، يحمل أخطاراً على صحة فهمنا للقواعد الديمقراطية الصحيحة التى رسخت لها ديمقراطيات متقدمة، إذ ستستخدم «حكومات الظل» الفارغة من المضمون، فى بث ممارسات رديئة فى حياتنا السياسية المثقلة بتركة ثقيلة معيبة تعرقل تطور حياتنا الحزبية بما يتناسب مع ما يدور فى مصر من نشاط كبير على المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
 
وخلاصة القول إن نجاح «حكومة الظل»، هنا أو هناك، مرتبط بمجموعة من المتطلبات الضرورية التى بدونها لا مجال لبحث جدواها، من ذلك على سبيل المثال:
■ درجة من الديمقراطية لم نبلغها بعد، ولا يضيرنا، بل يفيدنا، أن نعترف بأننا ما زلنا نسير على طريق تأسيس وترسيخ الديمقراطية، وهى مهمة شاقة وحتمية، لكن لا ينبغى التوقف عندها طويلاً بما يعوق حركتنا باتجاه تحقيق تنمية اقتصادية تمثل قفزة كبيرة إلى الأمام.
 
■ أحزاب قوية بالفعل، لها قواعد متينة فى الشارع، لديها من الكوادر المتنوعة الخبرات ما يعينها على تحمل مسؤولية النهوض بدور المعارضة «الشريفة»، معارضة لا غاية لها إلا المصلحة الوطنية، ولا سبيل لها إلا الموضوعية والجدية، ولا يعيبها حينئذ أن تتطلع بشغف إلى تولى مقاليد إدارة شؤون الدولة.
 
■ مراكز بحث وتفكير تمتلك القدرة على توفير الدراسات والتوصيات العلمية الدقيقة لكافة المشكلات الوطنية، وما يمتد بها إلى آفاق القضايا الدولية بتأثيراتها الطبيعية على الداخل، وهو أمر موجود بالفعل فى عدد قليل من الأحزاب لكنه غير مفعل، ويعانى ضعف الإمكانات المالية والتقنية والبشرية، ومن ثم نجدها غير مؤثرة على الإطلاق فى أداء أحزابها.
 
■ تمتع المجتمع بحرية تداول المعلومات، فضلاً عن وجود وسائل إعلامية قادرة بحق على النهوض بدورها التنويرى، إلى جانب توفير سُبل طرح ومناقشة القضايا الوطنية بشكل موضوعى يضمن حرية الرأى والتعبير على أسس تحقق المسؤولية الوطنية، لا باعتبارها وسائل تصفية حسابات، أو إثارة الرأى العام، أو كأداة جذب للمصالح، ويتضح من ذلك كله أن معاناتنا شديدة فى هذا الإطار.
 
■ وجود آليات تضمن التواصل الفعال بين الحكومة التنفيذية، و«حكومة الظل». أتحدث هنا عن مناقشات جادة، وبحث ودرس فيما تطرحه «حكومة الظل» من مبادرات وسياسات بديلة عن أداء الحكومة التنفيذية، وليس مجرد اجتماعات صورية تستهدف إضفاء مسحة زائفة من الديمقراطية. ويخطر على بالى الآن مشاهد غير مرغوب فى تكرارها، كصورة النواب وهم يحيطون بالوزير أو المسؤول فى المجلس لتخليص مشكلات دوائرهم، أو مصالحهم، فلو ذهبت «حكومة الظل» إلى هذا المنحدر لتدهور وضعها وما بلغت أهدافها أبداً مثلما يتطلب الأمر، على الجانب الآخر، عدم ترفع وزراء الحكومة التنفيذية عن مناقشة وزراء «حكومة الظل»، وعدم الإهمال فى بحث ودرس ما يطرحونه من رؤى جادة وموضوعية حول القضايا الوطنية.
 
على هذا النحو وغيره كثير، نتبين أن موقعنا بعيد عن وجود «حكومة ظل» بالمعنى المعروف فى الأنظمة الديمقراطية، لكن لا بأس من خوض التجربة، سعياً إلى اكتساب خبرات تصل بنا إلى أداء أفضل، ويبقى أن تحسن الأحزاب التصرف فى مفهوم «حكومة الظل» فلا تهينه، وهو المحترم فى كل الديمقراطيات الحقيقية، بالإسراف فيه تارة، وبتفريغه من مضمونه تارة أخرى، إذ يتحول إلى سبيل للمزايدات والمساومات والصراعات التى تملأ حياتنا الحزبية.. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة