وفق الإحصاءات المحلية والعالمية، تعتبر مصر من أعلى البلاد فى معدلات الطلاق، إذ تتراوح نسبة الطلاق الرسمى بها ما بين 1.9 فى الألف إلى 2.2 فى الألف، بينما أعلى دولة وهى الأردن تبلغ معدلات الطلاق بها 2.2 فى الألف، ووفق أحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بلغت النسبة فى 2016 2.2 فى الألف بينما تراجعت فى 2017 لتسجل 2 فى الألف، لكنها مع ذلك تظل من أكبر نسب الطلاق على مستوى العالم بعد الأردن والكويت، هذا إذا اعتمدنا على بيانات الطلاق الرسمى، ولكن هناك نسبة أخرى لا تسجلها التقارير الموثقة أو ما يعرف بالطلاق الشفهى الذى يرفض الأزواج توثيقه حتى لا تترتب عليهم التبعات القانونية والمادية للزوجات، وإذا أخذنا هذه النسبة فى الاعتبار تصبح مصر بالفعل أعلى البلاد فى معدلات الطلاق، لماذا؟
أسباب الطلاق عندنا كثيرة، فى مقدمتها الأسباب المادية ولجوء كثير من الأزواج إلى الاستيلاء على مخصصات زوجاتهم المادية أو التضييق عليهن فى العيش، وكذلك الضعف الجنسى الذى يشكل نسبة كبيرة من قضايا الطلاق والخلع المنظورة أمام محكمة الأسرة، وهو يعتبر عرضا لتعاطى المخدرات والمنشطات بصورة عشوائية، وكذلك الزواج السريع الذى يخفى فيه أحد الطرفين معلومات أساسية عن الآخر مثل الوضع الاجتماعى أو الأمراض المزمنة أو الوضع المادى، فضلا عن عامل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى التى مثلت كارثة على مختلف العلاقات الاجتماعية، ومنها مؤسسة الأسرة وحلت البدائل الافتراضية والعلاقات خارج مؤسسة الزواج محل الرابطة المقدسة التى تشترط لدوامها قدرا كبيرا من التراحم والتفاهم والمودة المتبادلة
الخلل الذى طال مفهوم الرجولة مثلما طال مجموعة القيم الأساسية فى المجتمع خلال العقود الأخيرة، هو المسؤول عن الزيادة الرهيبة فى معدلات الطلاق عندنا، فالرجل المصرى، بحسب النسبة الغالبة، شهم لا يقبل أن يهين زوجته، كما يرفض أن يستولى على أموالها، وإن شاركت بجزء من مخصصاتها المادية فى الإنفاق على البيت يكون برضاها ودون إجبار منه، كما أنه وبحكم العادات والتقاليد حريص على الحفاظ على بيته وصونه من كل شائبة أو ضرر، وإن أصرت على الطلاق يكون كريما معها، فما الذى حدث لمفهوم الرجولة عندنا؟ محكمة الأسرة مزدحمة بحالات تكشف تخلى كثير من الشباب عن دورهم ومسؤولياتهم الأساسية التى عبر عنها مفهوم القوامة فى الدين الإسلامى
فالآيتان 34 و35 من سورة النساء، وكذا آيات الطلاق فى سورة البقرة من الآية 226 وحتى 230 تلخص الدستور الأخلاقى والتشريعى للحياة الزوجية بكل محطاتها، ومنها المحطة المكروهة الطلاق، لكن التأمل فى الضوابط الحاكمة لهذه المحطة المكروهة من العلاقة الزوجية، يكشف المسؤولية الكبيرة الموكولة على الرجل وشهامته وتمييزه بالقوامة التى من أول شروطها إنفاق الأموال، وفى سورة البقرة «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ»، وعلينا أن نضع خطوطا كثيرة تحت الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، لأن فى هذه الآية القرآنية يتلخص مفهوم الرجولة الذى جار عليه الزمن عندنا، ولم تعد الأجيال الجديدة فى ظل طغيان ثقافة السوشيال ميديا والواقع الافتراضى، تعرف شيئا عنه أو تلتزم حتى بالحد الأدنى منه
الإمساك بمعروف يعنى تحمل المسؤولية من إنفاق ومودة وصون العلاقة الزوجية ورعايتها والحفاظ على مؤسسة البيت من الانفعالات الطارئة والعلاقات الطيارى وهجمات السوشيال ميديا، وكذا يتضمن مفهوم المعرف المصارحة والتراحم والحرص على مؤسسة الزواج، أما لا قدر الله إذا كان الطلاق هو الحل الأخير وخيار الطرفين، فهنا تتجلى الأخلاق والرجولة فى أعلى مراتبهما، «تسريح بإحسان»، بكرم وبذخ وشهامة وعطف واعتبار الأيام والليالى التى شهدت إفضاء كل طرف فى العلاقة للآخر، وحماية هذا التاريخ المقدس للعلاقة الزوجية سواء قصر أم طال، من التشويه والإساءة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة