نهاية العالم أم بدايته.. “bird box” فيلم الـ45 مليون مشاهدة يحاكى الأساطير القديمة والعقائد الدينية.. يروى قصة المسيح والصراع الأزلى بين الخير والشر على لسان أبطاله.."العمى" هو قانون الكون والطريق الوحيد للجنة

السبت، 12 يناير 2019 06:01 م
نهاية العالم أم بدايته.. “bird box”  فيلم الـ45 مليون مشاهدة يحاكى الأساطير القديمة والعقائد الدينية.. يروى قصة المسيح والصراع الأزلى بين الخير والشر على لسان أبطاله.."العمى" هو قانون الكون والطريق الوحيد للجنة فيلم bird box
تحليل تكتبه: سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حقق الفيلم الأمريكى "bird box" أكثر من 45 مليون مشاهدة حول العالم منذ طرحه نهاية الأسبوع الماضى على خدمة net Felix، حيث يحاكى الفيلم الذى أخرجته سوزان بيير قصة نهاية العالم وفقًا لرواية صدرت عام 2014 للروائى الأمريكى جوش ماليرمان بالاسم ذاته، ثم تم تطويعها لسيناريو كتبه ايريك هيسرير، ولعبت بطولة الفيلم "ساندرا بولوك" وترايفينت رودس، إلا أن الفيلم الذى ملأ الدنيا ضجيجًا لا يحاكى فقط قصة نهاية العالم، بل يتعرض لبدايته وملحمة الصراع الإنسانى بين الخير والشر وفقًا لتصورات قدمتها الأساطير القديمة وعززتها الأديان.

6

بداية العالم أم نهايته ..bird box

يبدأ الفيلم بجلوري "ساندرا بولوك" وهى حامل فى شهورها الأخيرة تناقش مع شقيقتها ما تعرضه نشرات الأخبار عن أمر غامض دفع الروس للانتحار والجنون وقد يكون هو نهاية العالم أو نوع من الحرب البيولوجية، ثم يتجه الإثنان معًا إلى مستشفى لتطمأن "جلورى" على حملها فتحذرها الطبيبة من تناول الكحول وتخيرها ما بين ترك طفلها للتبنى أو الالتزام بالتعليمات وتمنحها ورقة عن مراكز لتبنى الأطفال تحتفظ بها البطلة فى حقيبتها، لكن الحمى الغامضة التى أصابت  الروس فدفعتهم للانتحار تصل لمدينتهم، فتموت شقيقتها فى الطريق من البيت للمستشفى وتجد جلورى نفسها تجرى بعشوائية مع من يحاولون النجاة مختبئين فى أحد المنازل المحيطة.

 

"تشارلى" شخصية تجسد عقيدة الفداء المسيحية

بعد الاختباء يتعرف الأبطال على بعضهم البعض، فترى نماذج بشرية متعددة وكأنها صورة للحياة الإنسانية كلها، ثم يكتشف الجميع قانون الكون "العمى يساوى النجاة"، أي محاولة للنظر إلى السماء أو التعرض للضوء ستصيب الرائى بالموت فورًا، يمتثل البشر لهذا القانون الكونى الجديد، الذى يشبه إلى حد بعيد قصة التفاحة المحرمة التى تناولها آدم بإيعاز من حواء فنزل من الجنة إلى الأرض، قانون العميان هو الإشارة الإلهية للطاعة دون معرفة السبب فمن يخالف ذلك يحترق.

bird box 3

من هنا تبدأ قصة العالم من بدايته، البشر وحيدون فى هذا البيت الذى لا يعرفون أصحابه ومن آتى بهم إلى هنا إلا محاولة النجاة وكأن هذا البيت هو الأرض حين هبط آدم من السماء إليها كعقاب، وتبدأ فى البيت نفسه الصراعات الإنسانية فترى الخير والشر، المذنب والمؤمن، القوى والضعيف عبر شخصيات متعددة قدمها المؤلف بعناية، فمنهم المؤمن الذى كتب رواية عن نهاية العالم وهى الشخصية التى يحاكى فيها المؤلف نفسه "تشارلي" يحاول أن ينشر معتقداته المسيحية وسط مجموعة من الخائفين وكأنه رسول إليهم، وهو فى الوقت نفسه سبيلهم للنجاة فقد كان يعمل فى سوبر ماركت يحمل مفاتيحه التى تحمي المجموعة أو "البشرية كلها" من الموت جوعًا، فيخرجون فى سيارة معصوبي  العينين بحثًا عن حاجتهم البيولوجية يسيرون عميانا خلف "الرسول" "تشارلى" أو حامل مفاتيح الطعام، يملأون عربات كاملة بكل ما يحتاجونه من طعام وشراب وأدوات بينها أجهزة اللاسلكى التى ستوصلهم بمن حولهم فى الأرض، وخلال الرحلة تلك يموت تشارلى وهو يحاول أن يدفع  بيديه عن "المجموعة/ البشرية" شيطان قادم يطلب منهم أن ينظروا للضوء ليخالفوا قانون الكون، ويقدم روحه فداءا لخلاصهم وكأنه المسيح يبشر بنهاية العالم ويفدى شعبه بجسده ، وهو جزء من عقيدة الفداء المسيحية، حتى أن المؤلف يختار له اسم تشارلى الذى يعنى "الرجل الحر".

 

نغزات الشياطين تستمر.. البقاء للأعمى

تستمر أحداث الفيلم، وبعدما يتمكن "المجموعة/ البشرية" من النجاة والحصول على الطعام بعد موت "تشارلى/الفادى"، إلى البيت الذى يسكنونه، وبعدها مباشرة يهرب إثنان من المجموعة وهما يسرقان السيارة وتسمع أصوات موتهما أثر مخالفة قانون العميان وقد سبق للمخرج أن صورهما عراة فى مشهد جنسى، ليربط بين استجابتهما للشهوات ودعوات الشياطين فى الخارج التى تدفعهما للرؤية ومخالفة قانون الكون.

Bird_Box_Large 2

الشيطان يحاصر الأرض والمجنون ينجو

تستمر الصراعات على الأرض/فى البيت، حتى يأتى يطرق بابهم غريب من الخارج، يختلف الجميع على استقباله أو تركه، يسألونه عما آتى به إليهم فيقول إنه كان فى رحلة مع أصحابه حين هبت تلك العاصفة المدمرة، حتى أن مستشفى للمجانين السجناء قد فتحت أبوابها وصاروا طلقاء، المجانين ينجون من الموت، ويمكنهم رؤية الضوء، وهى أيضًا فكرة دينية وردت فى الأديان كلها حيث يرفع القلم عن المجنون حتى يعقل، والمجنون هنا يمثل الشيطان من زاوية أخرى، الشيطان وحده خالف مع جماعته من الأبالسة قانون الكون  رفض الاستجابة لأوامر الله وطرد من الجنة، وهو فى نظر الملائكة والبشر من العصاة المخالفين.

يستخدم المخرج تقنية النار فى عيون هؤلاء الشياطين، عيونهم تختلف عن عيون البشر الطبيعين، وتشتعل بالأخضر، الذى يشكل أحد الدرجات اللونية للنار التى يحملها الشيطان كمكافأة لمتبعيه.

 

شيطان فى لحظة الولادة.. الحرب مستمرة

"جارى" المجنون/ الشيطان، يرسم ما رآه فى الخارج بسرعة كبيرة، يسجل كل ما شاهده بعينيه بينما بقية المجموعة/ البشرية تواجه العالم معصوبة العينين، وحين ينتهى من رسمه، يصعد مسرعًا لأعلى البيت حيث تضع "جلوريا" و "أولمبيا" طفليهما فى اللحظة نفسها، وكأن الشيطان يبدأ لعبته مع الطفل منذ لحظة ميلاده، فيبدأ فى فتح النوافذ وهو يصرخ "أنظروا للخارج إنه جميل"، قبل أن توصى "أولمبيا" زميلتها "جلورى" على الطفلة القادمة إن أصابها مكروه، فتحتفظ جلوري بالطفلين بعد أن يغطيها توم وينقذها من النظر للضوء القاتل ومخالفة قانون الكون، ويتفرغ لمحاربة جارى/ الشيطان، الذى ينجح فى إغواء أوليمبيا ومن ثم قتلها هى وأمها.

 

 توم وجلورى.. من كل زوجين اثنين

بعد تلك الحروب مع الشياطين، يفرغ البيت على "توم" و"جلورى" ليربيا الطفلين على الخوف من الضوء، يلقنوهما قانون العميان منذ نعومة أظافرهما، يسميان "بنت" و "ولد" دون أن يحملا أسماء أخرى، هكذا كمثال للذكر والأنثى فى الأرض،معهما عصفورين ذكر وأنثى يعيشان فى قفص الحياة مثلهما.

 وبينما تربيهما "جلورى" على عصب العيون، يحتضنهما "توم" ويحكى لهما قصصا عن الطيور والأشجار والأطفال الذين سيلعبون معهما، كانت تلك القصة بمثابة بشارة "توم" عن الجنة التى تنتظر البشرية فى حال الاستجابة لقانون العمى، تلك القصة التى تقطعها "جلورى" صارخة، كيف له أن يعدهما بما لن يأتى بينما يظل متفائلا ومؤمنًا بأن كل هذا سوف يحدث، كالمؤمن الوحيد على الأرض.

اسم "توم" قد اختاره المؤلف بعناية أيضا فهو اسم القديس توما أحد تلاميذ المسيح الذى قرر اتباع المسيح أيا كانت المجازفة فقد كان تلميذا يرى بقلبه ويستفسر بعقله عن كل شئ، حتى أتبع الرسالة، وهو نموذج للمؤمن الحقيقي صاحب الإيمان العقلي والروحى.

 

قصة الفداء تتكرر.. توم مقابل نجاة جلورى

أثناء وجودهم فى المنزل/ الأرض، يستقبل توم إشارة على جهاز اللاسلكى تبشره بوجود مجتمع كامل، وتصف له طريق الوصول إليه، كانت تلك هى إشارة المؤلف لوعد المؤمنين الصادقين بالآخرة، فمن بقى على الأرض/فى المنزل، يستحق النجاة بعد أن اتبع قانون العميان، ويصف لهم طريق الجنة، سفر طويل لمدة يومين وكأنه الموت ورحلة الانتقال من الأرض إلى السماء مرورا بنهر عاصف حتى الوصول للجنة حيث الهناء الأبدى.

يخرج توم معصوب العينين، مع الأطفال وجلورى، ولكنه يواجه مجموعة جديدة من الشياطين ويستشهد أثناء الحرب معهم ليكرر قصة الفداء التى بدأ بها الفيلم، ففى كل عصر فادى يقدم روحه ثمنًا ليعيش أخرين وفقا لقانون العمى.

Bird-box-movie 1

الرحلة الأخيرة من الأرض إلى السماء.. قارب نجاة المؤمنين

بعد موته، تصطحب جلورى الطفلين فى رحلة النجاة الأخيرة التى بشر اللاسلكى توم بها قبل موته، فى قارب يحوى ما يحتاجونه، تبدأ الأم الابحار يومين كاملين، لا تخلو من نغزات شيطان يخرج من البحر فتقتله، رياح وعواصف تنقلها من الدنيا للآخرة وتظل صامدة معصوبة العينين، حتى أن التجديف يتعبها كما تتعب الحياة البشر فى رحلة الشقاء تلك، وتقرر أن تستريح لتكمل، تصل جزيرة وكأنها القبر تسمع فيها كل أصوات الراحلين وتظل صامدة حتى تصل إلى مدينة العميان / الجنة، مجتمع حين تدخله ترى لافتة مكتوب عليها مدرسة العميان، كثيرون منهم عميان والبعض القليل مبصرون، وبين تلك الجموع الناجية تقابل الطبيبة التى حذرتها من الاستهتار بالحمل ودعتها لترك طفلها لأسرة تتبناه، تراها وهى تحمل فى يديها طفلة تبنتها وحافظت عليها حتى الوصول للجنة تلك وكأن تلك الطفلة هى المفتاح الذى قاد "جلورى" للجنة فى النهاية، حيث يبدأ الأطفال فى اللعب والاختلاط بالأخرين، يرون العصافير، ويأكلون من خيرات الأرض كما بشرهما توم فى حكايته منتصف الفيلم.

 

قفص العصافير.. رحلة فى التاريخ الإنسانى والدين والموروث

بينما يحمل اسم الفيلم قفص العصافير كدلالة واضحة على القفص الذى تعيش فيه البشرية كلها حتى لحظة الموت تلك، الفيلم يعج بالرموز المستوحاة من الأديان وهو نموذج مصور للرحلة الإنسان على الأرض والصراع الأزلى بين الخير والشر وبين الشياطين والمؤمنين فلا يخاطب المشاهد المتعجل، بل يحتاج لمشاهدته على أكثر من مستوى من الوعي، وقد اعتنى صناعه بالتفاصيل بداية من اختيار الأسماء التى ترتبط كلها بأساطير وقصص دينية مرورا بكل المرويات والسرديات الدينية والتاريخية التى سجلها التاريخ الشفاهى والمكتوب حتى اليوم.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة