النساء والإرهاب.. دراسة جندرية للدكتورة آمال قرامى، ومنية العرفاوى، لا تعتمد على تحليل سير النساء والفتيات المنتميات إلى الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية فحسب، بل إنه ينظر فى بنية العلاقات: النساء / الرجال، والنساء / النساء، وأشكال توزيع السلطة وبناء الهويات، وأنماط الخطابات، وأثر التحولات الطارئة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا فى حيوات النساء ورؤيتهن لذواتهن وأدوارهن.
ولا تهتم دراسة النساء والإرهاب، الصادرة عن دار مسكيليانى فى تونس، بالفئة التى اختارت المشاركة فى الأنشطة الإرهابية فقط، بل إنه يحاول منح الصوت لأمهات وزوجات وشقيقات ارتبط مصيرهن بالإرهاب من خلال الابن أو البنت أو الأخ أو الزوج فكانت المعاناة.
فى البداية، تشير الدراسة إلى توسع أدوار النساء التى تشعبت تحت حكم تنظيم داعش، هذا التنظيم الجهادى الذى استلهم أدبيات قاعدة أبى مصعب الزرقاوى فى العراق إبان الغزو الأمريكى 2003، والذى استغل أيضًا تهاوى الأنظمة وضعف بعض الدول الوطنية بعد الثورات العربية ليبسط نفوذه على مدن بأسرها، خاصة فى العراق والشام، معلنا ما يسمى بـ"الخلافة الإسلامية" فى 2014، فارضا مبايعة أبى بكر البغدادى كأول خليفة للمسلمين.
وعلى عكس التنظيم "الأم" القاعدة أو بقية التنظيمات الجهادية المتفرعة عنها، تبنى التنظيم فى أدبياته إجازة جهاد النساء بالنفس والجسد، فالتحقت مئات النساء بمعاقل التنظيم فى كل من العراق وسوريا، حيث شكلت فئة من النساء كتائب للحسبة النسائية مهمتها ملاحقة نساء المدينة والتأكد من التزامهن بتعاليم الشريعة خاصة فى المظهر واللباس، فضلا عن معاقبة كل من تخل بتعاليم الشريعة.
كتائب الحسبة.. الخنساء الأشهر والأشرس
كتيبة الخنساء.. تعد من أشهر هذه الكتائب وأشرسها، وهى تعد بحسب تقارير دولية أكثر من ألف امرأة أغلبهن من الأجنبيات الملتحقات بالتنظيم. وتتفرع الكتيبة فى أغلبها إلى عدة "سريات" لكل سرية مقاتلات ومهام. فنجد سرية "أم عمارة" التى تتكون فى أغلبها من الأجنبيات، وتقودها البريطانية من أصل باكستانى "أقصى محمد" إلى جانب سرية "أم مقداد" التى تقودها امرأة سعودية، وكتيبة "أم الريان" التى تقودها تونسية. وأغلب هذه القيادات النسائية انضمت إلى تنظيم داعش بعد الزواج من قادة عسكريين.
التحاق النساء الأجنبيات بتنظيم داعش
لقد شكل التحاق نساء غربيات بتنظيم داعش لغزا حاولت عشرات الدراسات الغربية المختصة إيجاد مبررات له وأسباب مقنعة تقف وراء هذا الاندفاع والبحث عن الأمان بجانب القتلة والإرهابيين. ورغم كثرة القراءات والأبحاث النفسية والسوسيولوجية حول التحاق النساء إراديا بالتنظيم الأشد دموية، إلا أنه لا يمكن الحديث عن أسباب قاطعة وحاسمة تشخص بدقة الدوافع الأساسية لالتحاق نساء من مجتمعات مختلفة دينا وثقافيا وحضاريا بتنظيم يريد تكريس مفاهيم دينية وحضارية تعود بنا إلى قرون التخلف.
وفى هذا السياق، فإن الدارسة التى تقدمها الدكتورة آمال قرامى، ومنية العرفاوى، تطرح سؤالا: هل وجدت النساء المتوجهات إلى أرض "الخلافة" ما يبحثن عنه؟ وهل وجدن فعلا "فردوس الإنسانية" الضائع؟، الإجابة ستكون قطعا صادمة ومؤلمة بالنسبة إلى أغلب النساء اللواتى دخلن عالم الرايات السوداء بملء إرادتهن. فالوجه القاتم للتنظيم فى علاقته بالنساء يبرز من خلال عشرات التقارير الدولية التى تؤكد ما تواجهه النساء من استغلال جنسى فاحش، وكيف تحولن إلى بضاعة تباع وتشترى فى أسواق "النخاسة" وإلى مرافقات للمقاتلين فى المضاجع لشد عزيتهم تحت مسمى "جهاد النكاح".
فتوى جهاد النكاح
كان بعض شيوخ هذه التيارات المتطرفة قد أفتى على بجواز "جهاد النكاح" عندما اعتبر بعضهم أن "زواج المناكحة التى تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاما فما فوق أو المطلقة أو الأرملة، جائز شرعا مع المجاهدين فى سوريا، وهو زواج محدود الأجل بساعات لكى يفسح المجال لمجاهدين آخرين بالزواج، وهو يشد عزيمة المجاهدين، وكذلك من الموجبات لدخول الجنة لمن تجاهد به".
أما عن لغز التحاق النساء بتنظيم داعش فهو أمر تخوض فيه الدارسة على مدار عدد صفحات الكتاب التى تصل إلى 540 صفحة، تشير فى مقدمتها إلى البحوث التى ظهرت وتتناول الضغوط الممارسة على المرأة، والبنية النفسية للإرهابية، والسلوك الذى يميزها عن غيرها، وبات الاهتمام بدراسة الدوافع التى تجعل المرأة تنخرط فى العمل الإرهابى مهما كالصدمات النفسية، والهشاشة النفسية، والأحداث التى خلفت آثارا سلبية فى حياة المرأة كفقد الابن أو الحبيب.
ولم يقتصر الأمر على تحديد هذه الدوافع إذ لفتت بعض الدراسات الانتباه إلى أن رغبة النساء فى التحرر من القيود الاجتماعية، والأمل فى تحقيق المساواة الجندرية قد تكون أبرز العوامل التى تشجع المرأة على ممارسة العنف السياسى أو المشاركة فى العديد من الأنشطة الإرهابية.
وفق هذا الطرح صار العنف الذى تمارسه المرأة عنفا مسلطا على المجتمع ككل، ولعلها حين تفعل ذلك تريد أن تصبح صاحبة صوت مسموع، غير أن هذه التحليلات والقراءات سرعان ما انتقدت باعتبار أنها تكرس ثنائية الرجل / العدوانية العنف فى مقابل المرأة / الخضوع / السلم كما أنها لا يمكن أن تنطبق على كل النساء وفى مختلف المجتمعات.
وذهب أغلب الدارسين فى 2017 إلى أن التأكيد على النساء يرغبن فى المشاركة فى الأعمال الإرهابية فى الغالب، بسبب عوامل شخصية لا نتيجة دوافع أيديولوجية. ومما لا شك فيه أن هذا الاستنتاج يتماهى مع التمثيلات الاجتماعية القديمة التى تعتبر المرأة مترددة، وغير قادرة على الإيمان بفكرة، والتضحية من أجل قضية، إن المرأة وفقا للتصورات التقليدية تولى العلاقات الشخصية والاجتماعية أهمية، وهى متى فقدت من أحبت كانت أشد إصرارا على الانتقام من الذين حرموها أحباؤها، إلا أن هذه القراءة لم تصمد كثيرا أمام الانتقادات التى وجهت إليها.
وتستمر الدراسة فى تقديم وتحليل دراسات الإرهاب والجندر، ودواعى الانتماء، والتى تشير إلى تشابه الظروف والأسباب التى تدفع الرجال والنساء إلى تبنى الفكر المتطرف، والمشاركة فى الأعمال الإرهابية، ومنها – على سبيل المثال – أنماط التنشئة الأبوية، وأساليب التعليم القائمة على التلقين، وتشير بعض الدراسات إلى انعدام الفوارق، لكنها تشير إلى أن العازبات والعزاب هم الأكثر إقبالا على الانضمام إلى هذه الجماعات المتطرفة، وهو أمر مفهوم باعتبار أن الشاب / ة فى حل من المسئوليات العائلية التى قد تحول دون التحاقه بهذه الجماعات. وفى السياق نفسه تعتبر فئتا الشبان والنساء من أكثر الفئات المتأثرة بالتحولات الطائرة إن كان ذلك على المستوى السياسى أو الثقافى أو الاقتصادى إلى غير ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة