قلت: تحدثنا عن عدل الله فى منح كل إنسان ملكات متنوعة تتطلب منه العمل الدؤوب؛ وهذا ما عبّر عنه الحكيم، ولمسناه فى حياة العظماء. وقد أعجبتنى كلمات أحدهم وهو يتحدث إلى من يرغب فى تحقيق التميز والنجاح فى الحياة مؤكدًا قيمة العمل والوقت: يجب على من يرغب تغيير حياته أن يستيقظ مبكرًا كل يوم، وأن يعطى العمل قيمة أكثر من النوم، وعليه أن يحاول التغلب على العادات السيئة التى تقف حائلاً دون تحقيق ما يرغب فى الوصول إليه.
قال: أظن أنه ليس بالأمر السهل. أومأت برأسى قائلًا: بدون شك، لكنه التحدى، وقليل من البشر هم على استعداد لتحمل الألم والتضحية من أجل أن يصيروا أناسًا عظماء. وعليك أن تنتبه ولا تحاكى من يخدعون أنفسهم، أولئك الذين يتحدثون عن رغبتهم العميقة فى أن يصبحوا أفضل البشر فى مجال ما كالدراسة أو العمل، إلا أن أفعالهم لا تطابق كلماتهم. إن أردت النجاح الحقيقىّ، فعليك أن تطور ذاتك، أن يصبح اهتمامك الأول أن تكون اليوم فى حال أفضل مما كنت عليه بالأمس. حاول أن تتعلم كل يوم شيئًا جديدًا، وبمضى الوقت سوف تجد أن خبرة جيدة قد صارت لديك ورغبة ملحة تولدت فيك تؤهلانك لمزيد من التعلم واكتساب الخبرات؛ وهذا يحتاج إلى نوع من التضحية، فكُن مختلفًا. فمن يسعَ للنجاح يعمل، فى الوقت الذى آخرون نائمون أو يهدرون أوقاتهم. تعلّم من العظماء واتّبع خطواتهم. لا تنتظر وقتًا مثاليًا لتحقيق أحلامك: إنه الآن.
قال: أتفق معك بشأن مواهب الله التى قدمها لكل إنسان والتى يعوزها العمل. ولكن، أما ترى أن هناك من حُرموا من أشياء أساسية فى الحياة؟! سألته: ماذا تقصد؟ أجابنى: أعطيك مثالاً: يوجد أشخاص وُلدوا بعيوب خِلقية لا تدعهم يعيشون حياة طبيعية؛ ومن ثَم لا تتهيأ لهم فرص مساوية لتلك التى للآخرين. تأملته ثم قلت: أعتقد، يا صديقى، أن صفحات التاريخ تقدم لنا نماذج من أولئك البشر الذين صاروا عظماء وقدموا للإنسانية ما لم يقدمه كثيرون. إن الله عادل فى عطاياه مع البشر؛ فمع افتقاد أحدهم أو حرمانه من شىء ما، فإن الله يعوضه بميزات ومواهب أكثر يمكنه استخدامها. فى أحد اللقاءات التى عُقدت للأديبة المحاضرة المعجزة "هيلين كيلر"، شكرت الحاضرين على تحيتهم إياها بحفاوة من التصفيق؛ فما كان من أحدهم إلا أن سألها مندهشًا خجلاً: عذرًا، يا سيدتى! كيف عرفتِ أننا نصفق لكِ مع كونك لا تبصرين ولا تسمعين؟! فابتسمت الكاتبة قائلة: عند تصفيقكم تحرك الهواء وشعرتُ به!! إن "كيلر" على الرغم من فقدانها قدرات الإبصار والاستماع، فإنها قد وُهبت إمكانات أخرى هيأتها للتميز والإبداع، بل كانت فى بعض المواقف تكشف عما لديها من رهافة حس؛ وآخرون على شاطئ بعيد من نهر الحياة قد استسلموا لآلامهم ومتاعبهم منغمسين فى ندب حظوظهم السيئة! فلم يُعطوا أنفسهم الفرصة لأن يكتشفوا قدراتهم التى وضعها الله فى أعماقهم لكى ينهضوا ويواصلوا وينجحوا. وكثير وكثير من النماذج. وللحديث بقية...
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة