كنت طالبا فى الدراسات العليا، وذات مرة كنا فى محاضرة، وقال لنا أحد الأساتذة "الدراسات العليا دى رفاهية تعليم"، حينها ظننت أن المقصود هو أن "الباحث حر فى الاهتمام بها أو لا، وفى الاستفادة منها أو الاكتفاء بما حصل عليه من تعليم أساسى" لكن يبدو أن المقصود بهذه الجملة كان أكبر من ذلك.
فى السنوات الأخيرة ارتفعت رسوم التعليم فى الدراسات العليا بشكل كبير، البعض سوف يقارن الزيادة بما يحدث فى الجامعات الخاصة وسيستغرب من وصفى "الزيادة" بأنها كبيرة وأريد أن أقول له إن كلامه غير منطقى، وذلك لأننى فى الحقيقة أفكر من منطق طالب الدراسات العليا المتخرج من جامعة حكومية ويريد أن يحسن وضعه ويبحث عن فرصة أفضل لتقديم نفسه بصفته يملك دبلومة فى كذا أو ماجستير أو دكتوراه بما يمنحه مساحة أكبر لحياة مقبولة.
مؤخرا، سيطرت علىّ فكرة أن هذه المصاريف المرتفعة تشير بقوة إلى أن الجامعة لا ترى فى الدراسات العليا سوى "سبوبة" وهذا أمر خطير جدا، ويهدد كل شىء وأكثر ما يهدده هو الإنسان نفسه، كيف ذلك؟
كلنا يعرف أن قيمة المعرفة تكون بحجم ما ينعكس علينا فى حياتنا وسلوكياتنا، والإنسان الذى اقتطع من حياته وقتا ومالا وجهدا وذهب ليتلقى مزيدا من العلم ولكى يحقق نفسه، يحتاج إلى مساعدة ولا يحتاج إلى إعاقة وتأخير، تخيلوا معى مدرسا، ذهب إلى الجامعة كى يحصل على درجة الماجستير مثلا فى مجال التربية، كم طريقة جديدة سيعرفها، ومن الممكن أن يستخدمها فى التعامل مع تلاميذه، كم مرجعا أجنبيا سيلجأ إليه مما سيتيح له البعد عن فكرة الرأى الواحد الذى كاد أن يدمر حياتنا، وتخيلوا لو لم يفعل ذلك.
أولا سوف نقضى على حلمه بأن يكون فى وضع أفضل، وبالتالى فإن ذلك سوف يصنع منه شخصا "مهزوما" لأن أحلامه "هزمت" بعدما أثقلته المؤسسة "ماديا" ودفعته دفعا ناحية التوقف عن الحلم فى هذا الطريق.
أعتقد، وكلامى ليس جديدا، أن جانبا كبيرا من "الراحة الثقافية" التى تحدث للمجتمعات تأتى من زيادة الباحثين والحاصلين على الدرجات العلمية فى المجالات المختلفة، لأن العلم تراكميا، لكنه قبل أن يكون كذلك هو ممارسة، لذا نرجو التنبه جيدا لهذا الأمر، ونتمنى من وزير التعليم العالى أن يعيد النظر فى "الماديات" التى قد تعود بنا إلى الخلف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة