ما الذى يحدث فى العالم؟ لو نظرنا له نظرة واحدة، أى منذ استوعبته العقول منذ آلاف السنين أو حتى ملايينها، حتما سنجد حكايات وحكايات، ولن نكف عن المفاجأة والمراجعة للذات والمفاهيم، وحتى الكلمات التى نرددها طوال الوقت لن تثبت على معنى واحد بل ستتطور وتتغير ستكتسب أشياء وستخسر أشياء أخرى، وما كنا نظنه أسطورة ربما لا يكون كذلك، وما كنا نراه خيالا ربما هو فى الحقيقة واقع حدث بالفعل.
أفكار كثيرة طرحت نفسها أمامى وشغلتنى بعدما قرأت عن اكتشاف بقايا عظام ما يسمى «طائر الفيل» أو كما نعرفه فى الثقافات العربية «طائر الرخ»، عثروا على هذه البقايا فى مدغشقر، وهى تدل على أن هذا الطائر الذى قتله الإنسان وقضى عليه، كان حقيقة، وكان طوله نحو ثلاثة أمتار، بينما كان وزنه نحو نصف طن بالتمام والكمال.
عندما قرأت ذلك عدت لمراجعة ما كنا نعرفه عن طائر الرخ الأسطورى الذى كان يظهر لنا فى حكايات أمهاتنا وفى قصص الأطفال المبسطة وفى ألف ليلة وليلة وغيرها من الكتب «خرافية» الطابع، ثم تجاوزت هذه الحكايات لأسأل نفسى: ما الخيالى إذا؟ وما الأساطير؟ وأين الفراغات التى أكملها الإنسان لأنه لم يجد شيئا واضحا فأضاف من عنده؟
اكتشاف آثار طائر الرخ، بالنسبة لى، هو بمثابة إصابة مباشرة للعقلية الإنسانية، التى كنت أظنها صنعت «أساطيرها» ثم راحت تضعها فى جملة مفيدة، فقد بدأت أشك فى هذه القدرة على الصياغة، وصار لزاما أن أصطحب معى العقل بعض الشىء متخليا عن كثير من المتعة القديمة التى يفسدها دائما وجود الأشياء بشكل واضح وصريح.
بالطبع يميل الإنسان إلى المبالغة والتزيد، لكن يبدو أنه لا يزال عاجزا عن اختراع شىء من العدم، لا يزال باحثا عن نموذج سابق، يلقى بأثره على الفكرة المستحدثة التى قد تبدو للوهلة الأولى جديدة وخاصة، وكل هذا النقص فى الخيال يتضح بقوة فى الأنظمة السياسية فى العالم، ليس هناك جديد فى شىء، لا فى الأزمات ولا فى الحلول، فقط يكون الإبداع الوحيد الذى يقدمه الساسة هو اختيار منطقة الصراع، أمس العراق، واليوم سوريا، لكن كيفية إشعال العالم حكاية لا خيال فيها، لا تزال تدار بطريقة الإنسان البدائى الذى حمل فرع شجرة واعتدى على جاره أو أشعل النار فى خيمته.
أعانى بشده كلما تابعت هدم شىء من أسس طفولتى، وأكثر هذه الأشياء يكون هدم الخيال، أن أعرف أن طائر الرخ كان موجودا وأن الإنسان وظروف الحياة دفعاه إلى الانقراض وبالطبع هناك كائنات أخرى تشبهه تماما ودعتنا وهى تسب وتلعن فى أسلافنا وأجيالهم المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة