هل ندرك الخطر الذى يمثله غياب الثقافة فى الشارع، بصفته المكان الأول والأهم والأخطر الذى يكشف عن غياب أو وجود الوعى والرقى الذى اكتسبه الإنسان فى حياته، والذى سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الجميع؟
بالطبع فى الشارع لا نعرف كيف نحدد مفهوم الثقافة، لكن نعرف بسهولة أن نحدد «ما هو ضدها»، والغريب أنه بداية من خروج الإنسان من بيته، سوف يصبح فى عالم غريب، ويستطيع أن يعدد كوارث ضد الثقافة تبدأ من الضجيج، ما يحدث فى المواصلات العامة، شكل الإعلانات، العدائية، النظرة المتدنية للبعض، التعليقات السمجة، تصرفات السائقين، المعاكسات، طريقة البيع والشراء التى لا تخضع لكلمة واحدة، عدم التزام سائقى السيارات الخاصة بأماكن وقوف السيارات، العشوائية، ما تصنعه التكاتك بالمواطنين، الأطفال الخارجين من المدارس الذين يشعرونك بغياب التعليم فى مصر، القمامة التى تملأ الشوارع، الزحام غر المبرر.
ومن الأشياء الغريبة أيضا فى الشارع أنه ليس له سمت خاص يستطيع الإنسان أن يحدده، وبالتالى لا يعرف كيف يعالج المشكلات التى يغص بها، أو حتى يتجنبها، فالشارع طوال الوقت يغير فى نفسه ويتفانى فى مخالفة الصحيح من الأمور، ولا يقيم وزنا لشىء، فقط يحكمه منطق السوق الذى يتغير كل يوم، ويظل الإنسان حائرا لا يعرف كيف ينتصر على هذا الغياب الثقافى، ومن قبل لا يعرف من المسؤول عنه، هل غياب المؤسسات، أم أنها تراكمات سلوكية أصبح من الصعب التخلص منها، وبالتالى تحول الشارع إلى كارثة كبرى لا علاقة لها بقيم مجتمعية ولا بأحلام كبرى أو صغرى سوى الطموحات الشخصية القائمة على «الشطارة».
الثقافة الغائبة عن الشارع تكمن خطورتها فى أنها تتسرب بسهولة إلى داخل البيوت والمؤسسات، فتنتشر ثقافات غريبة فى حياتنا، منها عدم الاعتراف بقيمة الناس وقدرهم، بما ينعكس عن العلاقات الأسرية، التى حتما سيصيبها نوع من التفكك بسبب هذه الأخلاق، وفى المؤسسات سينتشر سلوك الرشاوى كأنه الحل الوحيد الموجود لتحسين الدخل، بدون نظر إلى حلال أو حرام أو غير ذلك من القيم الأخرى.
الدولة قادرة على التعديل فى منظومة الشارع الثقافية لو أخذت الأمر بجدية وبدأت حركة ثقافية كبرى فى كل مؤسسات الدولة التعليمية والصحية والإعلامية، حينها سوف يوجد جيل تربى ثقافيا بشكل جيد، بعيدا عن إلغاء الآخر وتكفيره ونهب حقوق الناس بالباطل، ونوعا ما سوف يتغير المستقبل للأفضل ويتخذ شكلا إيجابيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة