فى وقت من التاريخ كان بعض الناس يدّعون ويصدّقون أنهم من نسل الآلهة، وبعضهم يدّعى ويصدق أن الدماء التى تجرى فى عروقه ليست دماء العامة، إنما هو "الدم الأزرق الملوكى" النبيل .
وفى ذات الوقت كانت بعض الملل والنحل تصنف الشعوب إلى طبقات خلق بعضها من رأس الآلهة، فهى مقدسة، وخلق بعضها من تدين فهى منبوذة، وفي الوقت الذي كان الجدل يدور حول المرأة : هي ذات روح، أم لا روح فيها ، وفي الوقت الذي كان يباح للسيد أن يقتل عبيده ويعذبهم ، لأنهم من نوع أخر غير نوع السادة .
وفى هذه الأوقات جاء "الدين الإسلامي" ليقرر وحدة الجنس البشرى فى المنشأ وفى المصير، فى المحيا والممات، فى الحقوق والواجبات أمام القانون وأمام الله، فى الدنيا والأخرة، لا فضل إلا للعمل الصالح ، ولا كرامة إلا للأتقى، كلا لم ينسل الإله أحداً فهو "لم يلد ولم يولد" ، ثم كلا ، ليس هناك من دم أزرق ودم أحمر، وما خلق أحد من رأس ، وخلق أخر من قدم: ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون" . (المرسلات 20-23) .
ويقول رسولنا الكريم "أنتم بنو أدم ، وأدم من تراب" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمضى القرآن الكريم فيكرر هذا المعنى فى مواضع كثيرة ليعلم الإنسان وحده أصله ونشأته، فإذا انتقى أن يكون فرد أفضل من فرد بطبيعته، فليس هناك من شعب ، هو بنشأته وعنصره أفضل ، كلا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" ( النساء 1).
فلقد برىء الإسلام من العصبية القبلية والعنصرية ، إلى جانب براءته من عصبية النسب والأسرة! حين كان بعض ذوى الثراء والأنساب يأنف أن يتزوج أو يزوج من الفقراء والفقيرات ، "وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ" (النور 32) .
وعلى الجانب الآخر بين الجنسين ، فقد كفل الإسلام للمرأة " مساواة تامة " مع الرجل من حيث الجنس والحقوق الإنسانية ، ولم يقرأ التفاضل إلا فى بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد أو الدراية أو التبعية ، مما لا يؤثر بأى شكل على حقيقة الوضع الإنسانى للجنسين "ومَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا "(النساء 124) .
ومن ناحية الأهلية للملك والتصرف الاقتصادى يتساويان، " لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ ولِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا" (النساء 7) ، " لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ" (النساء 32) .
وعليه نفهم مما تقدم أن المحور الثانى فى نظرة الإسلام "للعدالة الاجتماعية والإنسانية" قائم على أساس ثابت وهو المساواة الإنسانية الكاملة في الدنيا والأخرة ، وهو أصل من أصول طبيعة العدالة الاجتماعية فى الإسلام، إلا أن كثيراً منا ما زال لا يفهم هذه المساواة الفهم الحقيقى ويظلم بنى أدم ، من نساء ورجال.
أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة – جامعة القاهرة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة