بدأ كل شىء دورته من جديد فى القاهرة مع «رفعت الجمال» لإعداده ليصبح يهوديا، يتم زرعه فى إسرائيل بواسطة المخابرات المصرية.
تم ترحيله من حجزه فى الإسكندرية إلى القاهرة، بعد القبض عليه لحمله أوراق إثبات شخصية بثلاثة أسماء، وبقى فى القاهرة أياما يستجوبونه حسب تأكيده فى مذكراته «18 عاما خداعا لإسرائيل»، ويكشف أنه فى أحد أيام استجوابه رأى فى انتظاره رجلا ضخم البنية، يوحى بالجدية، يرتدى ملابس مدنية، هادئ الصوت فى ود حين يلقى أوامره، ووجه كلامه إلى الحارس: «يمكن الآن أن تتركنا وحدنا».
قدم الرجل نفسه باسم «حسن حسنى» من البوليس السياسى التابع وقتئذ للمخابرات العامة، وقال للجمال: «لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأننى لا أعرف أى اسم أستخدمه من أسمائك الثلاثة، يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جدا، ليست المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا لانعرف من أنت؟، وحيث إنك حتى هذه اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضى بأن لاتبقى فى الحجز أكثر من يومين.. بعد هذا لابد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك، ولكن يجب أن نتحفظ عليك حتى تفصح لنا عن حقيقة هويتك».
يؤكد «الجمال»، أن «حسنى» عرض عليه إغلاق ملف قضيته، وخروجه إلى حال سبيله، بشرط واحد أن يكشف عن حقيقته.. كان ملف «الجمال» يحتوى على أنه بريطانى باسم «دانييل كالدويل»، ويهودى باسم «ديفيد آرونسون»، ومصرى باسم «رفعت الجمال».. يذكر الجمال، أن حسنى قال: «أنا مهتم بك، فقد تأكد لنا أنك قمة الذكاء والدهاء، لقد أثرت حيرة الرسميين إزاء الصورة التى ظهرت عليها حتى الآن، قد تكون إنجليزيا أويهوديا أومصريا، غير أن ما أثار اهتمامى كثيرا بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم فى حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودى.. وأطلب منك أن تخبرنى شيئا واحدا، وبعدها سأعترف لك بسبب أنك هنا، وأنى مهتم بك أشد الاهتمام. كيف نجحت فى جعل اليهود يقبلونك كيهودى؟».
يؤكد «الجمال» أنه حكى لحسنى كل شىء منذ البداية، وكيف قابل كثيرين من اليهود فى استوديوهات السينما حين كان مهتما بأن يكون ممثلا، وكيف تمثل سلوكهم وعاداتهم، وبعد أن انتهى من سرده لقصته، توجه بسؤال لحسنى: «ما الذى تريدنى من أجله؟، فصارحه حسنى»: هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر، وتوجد فى مصر أيضًا رؤوس أموال ضخمة جرى تهريبها، والملاحظ أن كثيرين من الأجانب وخاصة اليهود هم الذين يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة فقط بشكل قانونى، غير أنهم نظموا فرقا تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر، واليهود هم الأكثر نشاطا فى هذا المجال.إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت، وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها، ونحن ببساطة لا نستطيع تعقب حيلهم ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصا ما، يكسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذلك يكشف حيلهم فى تهريب أموالهم خارج البلاد، وأنت الشخص المثالى لهذا العمل، الشخص الذى نزرعه وسطهم لابد أن يكون يهوديا، ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك.ما رأيك؟.هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟.
أضاف الضابط حسنى: «أنت فرس الرهان بالنسبة لى، وسنتولى تدريبك وإيجاد قصة جديدة لتكون غطاء لك، ثم نضعك فى وسط المجتمع اليهودى بالإسكندرية».. سأله الجمال: «وماذا يعود علىّ أنا من هذا؟».. رد حسنى: «سيتم محو ماضى رفعت الجمال تماما، وإسقاط كل الإجراءات القضائية ضدك، بسبب جوازات السفر والبيانات الشخصية المزورة.. سنشرع فى تدريبك على الفور.. سيكون تدريبا مكثفا ويحتاج إلى زمن طويل، وسيكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تماما، وما أن توضع فى مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولا عن نفسك، لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور، أو أصبح الوضع خطرا».
وافق الجمال، وبدأت فترة تدريبه المكثف، وشمل شرح فروع فى الاقتصاد وأهداف ثورة 23 يوليو 1952، وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب، ووسائل تهريب الأموال، وعادات اليهود وسلوكياتهم، ودروس مكثفة فى اللغة العبرية وتاريخ اليهود فى مصر وأصول ديانتهم، ويؤكد: «حفظت عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية، والتدريب على كيفية البقاء على قيد الحياة معتمدًا على الطبيعة فى حالة ما إذا اضطرته الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن، والتدريب على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفيا».. ويؤكد «الجمال»: «أخيرا تقمصت شخصيتى الجديدة، وأصبحت منذ ذلك التاريخ «جاك بيتون» المولود فى «23 أغسطس» مثل هذا اليوم «عام 1919 فى المنصورة، من أب فرنسى وأم إيطالية، وأن أسرتى تعيش الآن فى فرنسا بعد رحيلها من مصر، وهى أسرة كانت لها مكانتها وميسورة الحال، وديانتى هى يهودى أشكنازى، وتسلمت وثائق تحمل اسمى الجديد والتواريخ الجديدة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة