لا خلاف على أن السيدة العظيمة نجاة الصغيرة من أكثر فنانى العالم العربى إسهاما فى إثراء الموسيقى العربية، ومن أهم الأصوات الغنائية النسائية- بعد جيل الرواد- إن لم تكن أهمهم، فصوت نجاة المتجدد المتدفق الحالم الناعم كان جسرا عبرنا عليه لأرق المشاعر وأعنفها، كما أن رحلتها الفنية لا يمكن أن تتم على هذا النحو الخلاب إلا وفق إدارة من عقل واع مدرك، وهذا فى اعتقادى هو ما جعلها قادرة على حفر اسمها بقوة وسط عمالقة الغناء فى العالم العربى، والأمر لم يكن سهلا على الإطلاق لو تعلمون.
نشأت نجاة فى زمن أم كلثوم، وهذا الاسم بمفرده هكذا كفيل بأن يجعل الرعب سمة أساسية فى قلب كل من يحلم بالغناء، لكن نجاة لم تخف ولم ترتعب، بل وضعت أم كلثوم نصب أعينها، كانت تريد أن تحظى بمكانة مثل مكانتها، وأن تصبح «السيدة نجاة» مثل «السيدة أم كلثوم» وفى اعتقادى أن هذا التحدى الذى فرضته «السيدة نجاة» على نفسها هو الذى جعلها تدقق فى اختياراتها، وتراجع حساباتها، وتكثر من استشاراتها، وهو أيضا ما مكنها الآن من المحافظة على تلك المكانة التى اكتسبتها بعرقها وسهرها ومراعاتها للصغيرة قبل الكبيرة فى اختياراتها.
علامة مضيئة هى، نقطة فارقة هى، تجربة سامقة هى، ولا يسعنى الآن ونحن نحتفل بعيد ميلادها، إلا أن أطالب وزارة الثقافة، وعلى رأسها الفنانة الراقية إيناس عبد الدايم، بأن ترشح السيدة العظيمة نجاة عبر أكاديمية الفنون للحصول على جائزة النيل، وهى أرفع جائزة تقدمها مصر لنابغيها وعباقرتها، وفى الحقيقة فإنى أوقن تمام اليقين من أنها تستحقها منذ زمن بعيد، لكن على الأقل أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى، وفى اعتقادى أيضا أن السيدة نجاة فى غنى عن مثل هذه الجوائز والتقديرات، لأن تقديرها الحقيقى فى التاريخ الذى سطرته بعرقها، والفن الذى صارت إحدى أجمل أيقوناته، لكن منحها تلك الجائزة يعد إشارة فاعلة على أن مصر مازالت تتمتع بالصحة والعافية، وأننا مازلنا قادرين على النظر، ولم نصب بالعماء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة