عادت من جديد ظاهرة النصابين الذين يبيعون الهواء للمواطنين ويقنعونهم بأنهم قادرون على تشغيل مدخراتهم مقابل فائدة أعلى بكثير من فوائد البنوك، رغم كل التحذيرات والتنبيهات فى وسائل الإعلام، ورغم الدعوات المتكررة للمواطنين لإيداع فوائض مدخراتهم بالبنوك، لماذا؟ الله وحده أعلم بنفوس المصريين الباحثين عن مكسب سريع دون جهد، ويقاطعون البنوك أو المشروعات التى تحتاج صبرًا وبناء فى المستقبل.
مازال كثير من المواطنين يقبلون أن يمنحوا هذا النصاب أو ذاك تحويشة العمر للحصول على المكسب السهل المبالغ فيه، والعيش فى دعة وراحة دون بذل أى جهد، وكل يوم تطالعنا الأنباء الواردة من صفحات الحوادث بسقوط هذا النصاب أو ذاك، بعد أن جمع عشرات الملايين من الناس، وعندما عجز عن سداد الفوائد المبالغ فيها، اختفى كالعادة، وضاعت أموال البسطاء الكسالى، الذين يلجأون للشرطة دائمًا بعد فوات الأوان.
لا نستطيع القول إن أهالينا فى الريف أكثر عرضة للنصب من قبل المستريحين، لعوامل متعددة، منها عدم إطلاع غالبية سكان الريف بالأنشطة الصناعية والتجارية، لتركيزهم فى نشاطهم الرئيسى الزراعى، ولا نستطيع القول أيضًا إن الروابط العائلية وتحكم القبليات والأعراف فى معاملات أهالينا فى الريف تسهم فى انتشار ظاهرة النصب وتوظيف الأموال، فالبيانات التى ترد حول حوادث النصب الكبرى تكشف أن النسبة الأكبر تحدث فى المدن، ومن بين الضحايا مستويات تعليمية ومعيشية عالية!
والملاحظ أن جميع النصابين يوهمون ضحاياهم بأنهم يشاركون فى مشاريع استثمارية كبيرة، وأنهم يوظفون الأموال فى أنشطة مثل المقاولات وتجارة السيارات والمحمول والذهب وغيرها، ويستجيب الضحايا على أمل أنهم يشاركون فى مشاريع كبرى، وسيحصلون على نتيجة مشاركتهم دون تعب، وهنا مربط الفرس، لماذا يوكل كثير من المواطنين غيرهم بالعمل بدلًا من أن يعملوا هم؟ لماذا يفضل كثير من المواطنين تسليم مدخراتهم أو تحويشة العمر لشخص غريب بدلًا من المبادرة أو المغامرة فى مشروع صغير مضمون الملكية، ويستطيع صاحبه أو صاحبته إدارته والإشراف عليه مباشرة؟
لأن ثقافة العمل غائبة، والسائد هو التكاسل والحلم الساذج بالثراء السريع دون تعب أو جهد، سواء بالفوز بجائزة من جوائز القنوات النصابة إياها أو عن طريق وسيط يستثمر أموالنا بفائدة كبيرة تساوى ضعف فوائد البنوك، وعادة لا يفعل ذلك إلا اللصوص والنصابون، ولا يستجيب لهم إلا الخائبون الطماعون.
متى تتغير ثقافة الكسل والتواكل والبحث عن الثراء السريع دون بذل الجهد والعرق؟ متى تعود العصامية عنوانًا لقصص النجاح المتحققة ويعود المشروع الخاص المنتج حلمًا لكل شاب لكى يحقق ذاته ويترقى فى المجتمع ماديًا واجتماعيًا؟ لقد ظللنا سنوات طويلة نلقى أحمالنا على الحكومة ونتمرغ فى تراب الميرى راضين بملاليمه وفرصه القليلة، وعندما انعدمت فرص الميرى غرقنا فى أحلام اليقظة، كما غرقنا فى موجات التطرف التى تجعل من الدنيا مجرد معبر تافه لا يستحق عناء بذل الجهد، ومن ثم فقدنا القدرة على المبادرة وشجاعة المغامرة ولم نعد نرضى بالبناء المتراكم على مدار السنين، وأصبح كل همنا أن نعيد سيرة العاطلين بالوراثة أبناء العائلات الغنية قبل ثورة يوليو.
متى تعود العصامية نهجًا عامًا للشباب؟ متى نقدس قيمة العمل والإنتاج على غرار الشعوب المتقدمة مثل الألمان واليابانيين؟ متى نعرف أن الإنسان لا يساوى إلا ما يبدع ويعمل؟ أليست الظروف الاقتصادية التى نمر بها خير معلم للشباب والشيوخ والكهول؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة