على مدار 15 عامًا، تم تداول اسم الرئيس التركى رجب طيب أدروغان فى عالم السياسة الدولية، وذلك بعدما تولى رئاسة الوزراء بشكل رسمى فى 11 مارس عام 2003 أثر وصول حزبه العدالة والتنمية لسدة الحكم فى 3 نوفمبر 2002، ومنذ ذلك الحين عمل جاهدًا لتوطين قواعد نظام حتى صار الحاكم المستبد الذى نراه فى وقتنا الحالى، فكيف حدث هذا الأمر؟.
وخلال آخر 11 عاما، راقب الكثيرون كيف تلاعب أردوغان بالدستور من أجل توسيع نفوذه، وإحلال رجاله مكان كل من يعارضه، وقد نجح بالفعل فى تحويل النظام فى البلاد من البرلمانى إلى الرئاسى مع إضافة كثيرًا من الصلاحيات بين يديه، لكن تجدر هنا الإشارة أن ما فعله الرئيس التركى ليس وليد اللحظة إنما هى خطة طويلة الأمد بدأها منذ أكثر من عقد الزمن، هذا ما نرصده فى التعديلات الدستورية التى جرت فى الدستور التركى خلال فترة تواجد أردوغان فى السلطة.
ويرجع تاريخ كتابة الدستور التركى الحالى إلى عام 1982 وكان مكونا من 7 أقسام و193 مادة منهم 177 مادة دائمة و16 مادة مؤقتة لكن هناك العديد من التعديلات تم إجراؤها عليه منذ ذلك الحين، أبرزها 3 تعديلات تم إجراؤها فى ظل تواجد أردوغان فى الصورء سواء كان رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية.
تعديلات 2007.. منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب
فى أكتوبر 2007، تم استفتاء الشعب التركى على مجموعة من التعديلات الدستورية فى مقدمتها انتخاب الشعب لرئيس الجمهورية فى تركيا، وإمكان انتخاب نفس الشخص رئيسا لمرتين أى لمدة 10 سنوات على أن يتم إتمام انتخابات رئاسة الجمهورية خلال 60 يومًا قبل انتهاء فترة، وكذلك إجراء الانتخابات العامة كل 4 سنوات بدل من خمسة، إضافة إلى انعقاد كافة جلسات مجلس الشعب بحضور 184 عضوا أثناء فترة الانتخابات، وذلك بعدما كان منصب رئيس الجمهورية يتم عبر اختيار البرلمان.
ويشار إلى أنه خلال فترة إجراء هذا التعديل الدستورى كان أردوغان يتولى منصب رئاسة الوزراء مع تمتعه بأغلبية فى البرلمان التركى فى ظل فوز حزبه بأغلبية المقاعد فى الانتخابات التشريعية.
تعديلات 2010.. تقليص سلطة الجيش والقضاء
ومع الوضع فى الاعتبار أن أردوغان كانت تؤرقه كثيرًا من صلاحيات الممنوحة للجهات القضائية خصوصا العسكرية، وبناءً عليه عرض رئيس الجمهورية عبد الله جول مجموعة من التعديلات الدستورية على مجلس النواب التركى الذى قبلها ومن ثم تم عرضها للتصويت الشعبى وتمت الموافقة عليها فى 12 سبتمبر 2010.
وتمثلت التعديلات فى تضييق مهمة القضاء العسكرى و ذلك عن طريق الإشراف القضائى على القرارات النابعة من المجلس الأعلى للقضاة ووكلاء النيابة ومجلس الشوري العسكري، وتأسيس هيئة إشراف عامة، والتنظيمات المتعلقة ببنية المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاة ووكلاء النيابة.
وبشكل أكثر تفصيلاً فإن التعديلات الدستورية فى عام 2010 كان هدفها الرئيسى تركيز الصلاحيات فى يد حزب العدالة والتنمية بشكل أكبر مع الوضع فى الاعتبار أن أردوغان لا يحترم الدستور التركى الموضوع فى عام 1982 وقد وصفه فى أكثر من مناسبة بـ"دستور الانقلابيين".
وجاءت أبرز التعديلات كالتالى : تقليص سلطات الجيش وهيئة الأركان والمحاكم العسكرية والقوى القومية وتركيزها فى يد حزب العدالة والتنمية الذى كان يتولى المسئولية آنذاك، وهذا حدث عبر زيادة عدد قضاة هيئة المحكمة الدستورية العليا فى تركيا من 11 قاضياً، إلى 17 قاضياً، على أن يعين رئيس الجمهوريّة 14 منهم، ويعين البرلمان الثلاثة الباقيين.
أيضًا شملت التعديلات آنذاك مجموعة من الإجراءات الهادفة لزيادة نفوذ رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والطبقات الحاكمة لتكون شريكة لأية حكومة فيما يسمى بحماية الدستور عبر منح أدوار أكبر لغرف التجارة والصناعة والحرف والنقابات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل الاحتجاجات التى قامت بها أغلب النقابات مؤخرًا فى عهد أردوغان تم قمعها بشدة مما يعنى أن السلطات الممنوحة لهم كانت حبر على ورق ومحاولة تجميل صورة تركيز السلطة فى يد نظام أردوغان.
تعديلات الدستور فى عام 2010 شملت استحداث محكمة لحقوق الإنسان على أن تكون مرتبطة بالمحكمة الدستورية العليا وتكون معنية بالنظر فى قضايا حقوق الإنسان والتظلمات التى يتقدم بها المواطنون، وتم الإعلان آنذاك أن هذا القرار جاء بعدما وجد أن 13 ألف دعوى من أصل 120 تم تقديمها لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية كانت تخص مواطنين أتراك.
المفارقة أنه رغم إنشاء محكمة حقوق الإنسان فى التعديل الدستورى إلا أن نظام أردوغان قمع بوحشية الحراك الاحتجاجى الذى خرج ضده فى يونيو 2013، لذا تعايره المعارضة دوما بأن نظامه فساد واستبدادى.
أردوغان رئيسا للجمهورية فى 2014
وفى عام 2014 وجد أردوغان نفسه فى مأزق وعليه مغادرة الحكم، ووفقا لما أوضحت وكالة فرانس 24 فإن نظام حزب العدالة والتنمية لا يجيز له تولىأكثر من ثلاث ولايات لكنه يريد الاستمرار بالحكم كرئيس للدولة.
وبالفعل رشحه حزب العدالة والتنمية إلى منصب الرئاسة، وفاز فى الانتخابات التى تم إجراؤها فى 10 أغسطس 2014 من الجولة الأولى بعدما حصد على نسبة 53.2 % من إجمالي عدد الأصوات.
ورغم حصول أردوغان على مقعد الرئاسة فى عام 2014 لكنه على ما يبدو لم تعجبه الصلاحيات التى يتمتع بها، لذا قام بقمع كل من يعارضه، ومن هنا حدثت العديد من الموجات الاحتجاجية ضده، وقد استغل تحرك الجيش التركى ضد نظامه فى 15 يوليو 2016، ليبدأ حملة اعتقالات وتصفية كل معارضيه، وانتهز الفرصة لتحقيق حمله بإحداث أكبر تغيير فى الدستور وتحويله من النظام البرلمانى إلى الرئاسى ليصبح الحاكم صاحب الصلاحيات الأكبر فى تاريخ تركيا منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية.
تعديلات 2017.. تحويل تركيا من النظام الرئاسى للبرلمانى
وبالفعل أجرى أردوغان تعديلات دستورية واسعة فى أبريل 2017، ووفقا لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية أن الرئيس التركى بموجب التعديلات الدستورية الجديدة، يحق له أن يبقى فى منصبه لولايتين رئاسيتين كحد أقصى أي حتى عام 2029 وليس عام 2024 كما الشأن الآن.
كما سيمتلك عدة صلاحيات منها تعيين كبار مسئولى الدولة مباشرة بمن فيهم الوزراء، وكذلك تعيين نائبا أو عدة نواب للرئيس، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، إضافة إلى التدخل في القضاء الذي يتهمه بالخضوع لنفوذ رجل الدين فتح الله غولن، وأيضًا يحق له تقرير ما إن كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا.
وبالفعل بعد انتخاب أردوغان بشكل رسمى فى 24 يونيو كرئيس للجمهورية لولاية جديدة، استغل صلاحياته بالشكل الذى توقعها الكثيرون وأصدر قرارات بإقالة حوالى 18 ألفا من موظفى الخدمة المدنية التركية، من بينهم 9 آلاف شرطى و6 آلاف عسكرى وألف من موظفى وزارة العدل، وذلك بحسب التقارير للصحافة التركية.
كما عمد أردوغان إلى بتعزيز سلطاته التنفيذية بإصدار عدد من القرارات التى تركز على البنوك، والنظام الرئاسى الجديد، وكيفية تعيين المسئولين، وذلك عبر منح نفسه نفسه سلطة اختيار محافظ البنك المركزى ونوابه، وكذلك أعضاء لجنة السياسات النقدية للسنوات الأربع المقبلة، كما أصدر مرسومًا آخر يقضي بتعيين الفريق أول ياشار غولر رئيسًا جديدًا للأركان العامة للقوات المسلحة، خلفًا لخلوصى آكار، الذى تولى حقيبة الدفاع فى التشكيلة الوزارية الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة