من السمات الواضحة فى مونديال روسيا 2018 بروز عدد من اللاعبين الموهوبين صغار السن، خاصة فى منتخب فرنسا الذى استطاع قهر منتخب الأحلام البلجيكى، أحد المنتخبات المرشحة بقوة للفوز بالمونديال، الأمر الذى يفتح الباب واسعا لتغيير العقلية المصرية التى ترى فى اللاعبين صغار السن أولادا ناشئين يفتقدون الخبرة والمهارة الضرورية للمشاركة فى مباريات الفريق الأول، بينما الفرق والمنتخبات الأوروبية تبحث عنهم وتدفع بهم إلى المباريات المهمة.
منظومة كرة القدم عندنا تشبه كثيرا نظام الهرم المقلوب، الاهتمام والأموال والدعم والأضواء موجهة للفريق الأول ونجومه المكرسين ولعمليات الانتقال بين الأندية، بينما الإهمال يضرب القاعدة العريضة من فرق الناشئين فى مختلف المراحل العمرية المختلفة، وبالتالى يتساقط عشرات الآلاف من اللاعبين فى الطريق من مرحلة الناشئين المبكرة وحتى الحصول على فرصة فى الفريق الأول بعد تجاوز العشرين من العمر وهى سن متأخرة جدا للظهور.
وباستثناء المواهب اللافتة التى تمتلك الإصرار والعزيمة وتتمتع بحب جارف للكرة، لا يظهر من جيوش اللاعبين الناشئين إلا العشرات كل عام، بينما الأصل فى هذه اللعبة الشعبية واسعة الانتشار، أن هناك كشافين وعيونا راصدة وشركات تسويق وأكاديميات رياضية ووكلاء لاعبين، وهؤلاء يعملون على تقديم الثروة البشرية من اللاعبين إلى سوق الاحتراف فى الداخل والخارج، وهنا نسأل ما حجم الأسواق العربية والأفريقية والآسيوية، ناهيك عن الأسواق الأوروبية التى غزاها اللاعبون المصريون؟
ماذا عن السوق الصينى الغنى جدا والقادر على اجتذاب عشرات اللاعبين المصريين كل عام، هل هناك شركات تسويق لاعبينا هناك، حتى من باب الاستفادة الاقتصادية؟ لن أتساءل عن السوق الأوروبية التى تشهد الآن اهتماما متزايدا باللاعب المصرى بعد تألق نجمنا محمد صلاح، لأن عدد اللاعبين المصريين فى الأندية الأوروبية قليل للغاية ويصلون فى سن متأخرة ولا يجدون فرصة للعب والتألق.
غياب الاستراتيجية التسويقية للاعب المصرى فى الخارج، لها رد فعل مباشر مساوٍ لها فى المقدار ومضاد لها فى الاتجاه بحسب قانون نيوتن الخالد للحركة، وهى ظاهرة هروب الناشئين إلى الأندية فى الخارج، ولكن حتى هؤلاء اللاعبون الهاربون لا ينجح منهم إلا أقل القليل، لأنهم ليسوا مهيئين نفسيا وعمليا للاندماج فى المجتمعات التى يهربون إليها أو للتعامل مع متغيرات التدريب والمشاركة فى المباريات، لاعبون صغار السن لم يتربوا على النظام الدقيق أو بذل الجهد الشاق فى التدريب يجدون أنفسهم وسط نظام صارم من العمل الجاد فيتسربون إلى المتاح من الحياة السهلة ويفقدون القدرة على المواصلة والتألق.
نحتاج الاهتمام المتزايد بقاعدة الناشئين فى المراحل العمرية المختلفة وإبراز الموهوبين منهم مع تأهيلهم نفسيا وثقافيا على الحياة فى نظام صارم، واعتبار كرة القدم مهنة، إلى جانب كونها لعبة وهواية، بحيث يتربى الناشئون عندنا على نفس القواعد المطبقة فى الأندية الأوروبية، وإذا أضفنا إلى ذلك عقد بروتوكولات التعاون والتوأمة بين أنديتنا ومختلف الأندية الأوروبية والسماح للأكاديميات العاملة فى مصر بتسويق الناشئين فى الأندية الخارجية مع اشتراط تمثيلهم للمنتخبات المصرية لحمايتهم من التجنيس، نكون بذلك قد وضعنا أرضية قوية لبناء أجيال من اللاعبين المصريين القادرين على حصد البطولات والمنافسة فى كأس العالم بدلا من الاكتفاء بالمشاركة المشرفة حينا والمهينة أحيانا أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة