القصة بدأت كإفيه، ثم تحولت إلى كابوس، وهذا هو حالنا، وهذه هى الأزمة.
لو حاولت أن تعصر دماغك لتكتشف «لعبة حلوة» أو إنجازا فرديا، أو بصمة مميزة له فلن تجد، فقد كان مجدى عبدالغنى من اللاعبين الذين لا يراهم الجمهور ويراهم مجلس الإدارة والفريق الفنى، لم يكن مثل «بيبو» الذى كان الجميع يهتف باسمه، ولا طاهر أبوزيد الذى أضاف الكثير لمتعة الكرة المصرية ولمسنا معه «عقدة الموهوبين» فى الكرة، ولا فاروق جعفر الذى يخشاه الجميع، ولا إسماعيل يوسف الذى عرفنا معه مصطلح «رمانة الميزان» ولا مجدى طلبة صاحب التمريرات القاتلة والتصويبات الفتاكة، ولم يكن حتى مثل هشام يكن الذى كان يستبسل فى قتال المهاجمين أكثر من استبساله فى استخلاص الكرة، كان رجلا عاديا، لاعبا عاديا، صاحب أفشل تجربة احتراف خارجى، وصاحب أكثر الأزمات اشتعالا فيما بعد مرحلة الخروج من كأس العالم 1990.
لا شعبية له ولا جماهير، لكن حظنا المتعثر جعله يتصدر لتسديد ضربة الجزاء الوحيدة لنا فى مباراة مصر وهولندا ليحرز هدف مصر الوحيد فى ثانى مشاركة لنا فى كأس العالم، وهو الهدف الذى تاجر به مجدى عبدالغنى منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، هدف وحيد جاء من ضربة جزاء صنعها حسام حسن، صاحب الحق الأول فى تحقيق التعادل مع هولندا، وصاحب الحق الأول أيضا فى الوصول إلى كأس العالم بعد هدفه فى مباراة الجزائر، لكن محمود الجوهرى رأى أن يسدد الضربة مجدى عبدالغنى فحسب، ليبدأ بعدها فى استعراض إنجازاته التى أتت بالصدفة، ويبدأ مرة أخرى فى صناعته للمشكلات مرة بعد مرة، لأنه «صاحب هدف مصر فى كأس العالم 90».
حاول مجدى عبدالغنى أن يعيش فى الأضواء خلف ميكروفون التعليق على المباريات، لكن القدر طرده من خلف الميكروفون، لأنه ترك المباريات التى يعلق عليها وغاص فى التعليق على نفسه، كانت المباراة التى يعلق عليها مشتعلة، بينما هو يتغنى بأمجاده الشخصية الوهمية، فكرهته الجماهير، لا تعنتا منها ولا ظلما، ولكن لأن الجماهير وحدها كانت الحكم، ثم جاءته الفرصة الذهبية ليتصدر اهتمام الناس بعد أن استفزهم بكلماته ونال سخطهم ولعناتهم، ليذكرنا بهذا الأعرابى الذى تبول فى مسجد الرسول فظنه الجميع كافرا، ولما استجوبوه قال لهم إنه فعل هذا لأنه أراد أن يتذكره الناس ولو باللعنات.
كلمة قالها، دحرجها إلى شعب السوشيال ميديا، فصنعوا منه أسطورة للسماجة، وهو رأى أن حالة الاستياء العامة من تصريحاته المتكررة بأنه صاحب هدف مصر الوحيد فى كأس العالم 90 تعيده إلى الأضواء مرة أخرى بعد أن فشل فى الوصول إليها، فاستحسن الأمر، صار مجدى عبد الغنى لعنة، وصار هدفه مصيبة، ولا يعرف أحد ما الذى كان سيؤول إليه الأمر إذا كان هذا الهدف هو هدف الفوز أو هدف الصعود إلى كأس العالم، لنعانى بعد هذا من مرض اسمه هدف مجدى عبدالغنى، عانى الشعب كله منه، بينما هو يجنى الملايين من الإعلانات والبرامج والمداخلات، ويحصد الأصوات فى الانتخابات التى جعلته عضوا فى اتحاد الكرة، ليتهم بعد هذا بسرقة فانلات المنتخب والاعتداء على موظف المخازن المكلف بحمايتها لا لشىء إلا لأنه «شخصية عامة».
من وجهة نظرى، فإن مرض «هدف مجدى عبدالغنى» هو مرض حصرى على مجتمعنا الذى جعل الصغار يتخيلون أن أفعالهم الصغيرة كبيرة، وهو مرض أيضا أصيب به شعب السوشيال ميديا الذى يصنع من الأقزام نجوما، وأصيب به أيضا شركات الإعلانات التى تفعل أى شىء لجذب الاهتمام إلى منتجها، ويوما بعد يوم أصبح نجوم المجتمع المصرى هم خليل كوميدى وأحمد التباع ومجدى عبدالغنى، لأننا نبدأ القصة بإفيه ونختمها بكارثة، ولا علاج لمثل هذه الظواهر إلا بدفع المجتمع إلى الرشد ولو بالقوة الجبرية، قصر النجومية على مستحقيها من الفنانين الجادين واللاعبين المحترمين والعلماء المتفانين، وإلا سنخلد فى هذه الأمراض إلى يوم الدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة