أقر مجلس النواب الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة 2018/2019 بشكل نهائى فى جلسته العامة الأسبوع الماضى، وهو ما يعنى أن المجلس أنهى أهم مهمة يحملها على عاتقه كل عام. فلماذا هى أهم مهمة؟ وكيف أنهاها المجلس؟
هى بالفعل المهمة الأهم على الأجندة التشريعية لأى برلمان، لأنها ببساطة تعنى توافقا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على خطة الإنفاق العام الذى ستنفذها الحكومة خلال سنة مالية قادمة، ومن أين تحصل على الأموال اللازمة لتمويل هذا الإنفاق، وبما أننا دولة محدودة الموارد فعلى الحكومة والبرلمان ضمان الإدارة الرشيدة والفاعلة لهذه الموارد المحدودة، بمعنى أن يصرف كل جنيه فى مكانه الصحيح.
وإذا كنت تعتقد أن الموازنة أمر لا يهمك كثيرا فأنت مخطئ جدا، ولكن ربما يرهقك النظر إلى الأرقام، ولكن هذه الأرقام ترجمتها ببساطة تتعلق بأى قرارات مالية قد تمسك بصورة مباشرة، مثل زيادة أسعار الخدمات لترشيد الإنفاق، أو إعادة توزيع الدعم حتى يصل لمستحقيه، كلها امور تعنيك ولكن عليك فقط الاهتمام، وهنا نوضح لك بعض الأمور البسيطة المتعلقة بالموازنة العامة.
الجلسة العامة للبرلمان
يعنى إيه موازنة؟
الموازنة العامة لا تختلف كثيرا عن موازنة منزلك، فإذا نظرت إلى موازنة بيتك وكيف تعدها مثلا ستجدها عبارة عن الدخل الشهرى الذى تتحصل عليه من جميع مصادر دخلك سواء كان مرتبا إذا كنت موظفا، أو عائدات ملكية إذا كنت تؤجر عقارا أو غير ذلك، أو إيرادات متحققة من أرباح تجارتك، أو كل ذلك فى وقت واحد، فأنت تجلس كل شهر لتجمع أموالك المتحققة من مصادر دخلك ودخل أسرتك المختلفة، وفى المقابل تحدد الالتزامات المالية ما عليك من أقساط أو جمعيات أو مصروفات مدرسية، وتوزع ما يتبقى من دخلك على احتياجاتك الأخرى من طعام وشراب ومواصلات وعلاج وغيرها من أوجه الإنفاق الأخرى.
ولأن الاحتياجات لا تنتهى، والدخل محدود، فلابد أن تحدد أولويات أسرتك فى الإنفاق حتى يتم توجيه الأموال بأكبر قدر من الكفاءة بما يحقق أهداف أسرتك، وهو نفس الامر بالنسبة للموازنة العامة باستثناء أن ميزانية أسرتك الصغيرة هى بضع مئات أو آلاف من الجنيهات التى تنفق شهريا، أما الموازنة العامة للدولة والتى ينبغى أن تلبى أولويات المواطنين هى مليارات الجنيهات التى تُحصل وتنفق سنويا.
ولأن الموازنة العامة هى مبالغ طائلة ويتخطى حجم إنفاقها التريليون جنيه، فيجب أن تكون هناك كفاءة فى إنفاق هذه الأموال، وهذه الكفاءة تبدأ بأن يتم تحديد أولويات هذا الإنفاق بصورة تلبى احتياجات المواطنين فعليا.
وتعرف الموازنة العامة بأنها وثيقة تتضمن الإيرادات المتوقع للدولة تحصيلها خلال عام مالى والمصروفات المقررة خلال نفس الفترة، ويبدأ العام المالى فى مصر أول يوليو وحتى نهاية شهر يونيو من العام التالى، وفى موازنة الأسرة الصغيرة فى المثال السابق دائما يراعى رب الأسرة أن يكون إنفاقه فى حدود دخله حتى لا يضطر إلى الاقتراض أو السلف لتغطية احتياجاته، أما الموازنة العامة فى مصر فهى تعانى من عجز دائم ومزمن سببه أن الموازنة توجه مصروفاتها لأوجه إنفاق شبه ثابتة، قد ينفق أكثر من 80% من مصروفات الموازنة السنوية على سداد فوائد القروض والأجور والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، ولا يتبق سوى أقل من 20% فقط للإنفاق على الخدمات العامة والاستثمارات الحكومية فى البنية الأساسية وغيرها من مجالات الإنفاق.
وبهذا الوضع الذى لا يتغير سنويا تضطر الدولة للاقتراض بصورة كبيرة جدا لسداد العجز الناجم عن محدودية الإيرادات السنوية مقابل زيادة المصروفات والاحتياجات التى لا تجد الحكومة أمامها مفرا من الاقتراض سواء المحلى أو الخارجى لتلبية متطلباتها.
ازاى بتتعمل الموازنة؟
البعض يعتقد أن الفترة من أبريل وحتى يونيو سنويا هى فقط أشهر الموازنة العامة، وهى الفترة التى يتم مناقشتها بالبرلمان، ولكن الحقيقة أن إعداد الموازنة يبدأ قبل ذلك بكثير، ففى شهر سبتمبر من كل عام تقوم وزارة المالية بتوزيع ما يسمى بمنشور إعداد الموازنة العامة الذى يتم توزيعه على كافة الجهات الداخلة بالموازنة العامة والتى يطلق عليها "الجهات الموازنية" من وزارات وهيئات وغيرها، وتنص فى هذا المنشور على التعليمات التى يجب على هذه الجهات اتباعها، ولكن لا يتضمن هذا المنشور أى آليات توضح للجهة كيفية تنفيذ هذه التعليمات.
وتبدأ "الجهات الموازنية" إعداد موازناتها الخاصة بها وتقديمها لوزارة المالية بناء على التعليمات السابقة، ويبدأ مناقشتها بين وزارة المالية متمثلة فى قطاع الموازنة العامة وبين الجهات الحكومية المختلفة، حتى يتم التوصل لصيغة مشروع قانون الموازنة ويتم إرساله لمجلس الوزراء، وبعد الموافقة عليه يرسل إلى البرلمان لمناقشته خلال فترة لا تقل عن 3 أشهر من بدء السنة المالية أى بحد أقصى 31 مارس حتى يكون هناك فترة كافية للنواب لمناقشتها وإقرارها، وعند التصويت عليها يتم إرسالها لرئاسة الجمهورية لاعتمادها وتنشر فى الجريدة الرسمية بقانون ويتم العمل بها اعتبارا من أول العام المالى فى أول يوليو كما ذكرنا.
فلوس الموازنة بتيجى منين؟
ولأن الموازنة العامة هى أموال كافة المواطنين، فيجب أن تعرف من أين تأتى أموال الموازنة بصورة مبسطة، فإيرادات الموازنة العامة تعتمد أولا على الإيرادات الضريبية بشكل أساسى من مختلف أنواع الضرائب مثل ضرائب الدخل والمبيعات والجمارك والضرائب العقارية، وهذه الإيرادات الضريبية بأنواعها تشكل أكثر من 60% من إيرادات الموازنة العامة سنويا، أى أن المواطن دافع الضريبة هو الممول الأول للموازنة العامة.
وتصل إجمالى قيمة الإيرادات فى الموازنة المقبلة إلى 989.188 مليار جنيه، سواء إيرادات ضريبية أو غير ضريبية.
وتعانى المنظومة الضريبية فى مصر من خلل كبير نتيجة اعتمادها على تحصيل النسبة الأكبر من حصيلة الضريبة على الجهات السيادية والتى تشكل أكثر من 60% من حصيلة الضرائب سنويا، وهى البنك المركزى وقناة السويس والهيئة العامة للبترول، كما تواجه مصلحة الضرائب مشكلة تدنى حصيلة ضرائب الدخل المسددة من المهنيين مثل الأطباء والمهندسين والفنانين وغيرهم، وكان هذا أحد أهم توصيات مجلس النواب فى تقريره النهائى عن الموازنة وهو تفعيل تحصيل الضرائب الحقيقية من هذه الجهات، كما أوصى البرلمان بفرض ضريبة تصاعدية بشرائح متصاعدة لزيادة الإيرادات.
أما النوع الثانى من الإيرادات فهى إيرادات غير ضريبية تأتى إما من المنح أو إيرادات آخر ى من عوائد الملكية الحكومية فى الشركات والمؤسسات العامة، وأرباح الأسهم، أو إيرادات من طرح رخص مثلا مثل الاتصالات والحديد والأسمنت، أو الخصخصة، وكلها تدخل تحت بند إيرادات آخر ى، وتصل قيمة المنح فى الموازنة الجديدة 1.141 مليار جنيه، والإيرادات الأخرى 217.767 مليار جنيه.
فلوس الموازنة بتروح فين؟
تبلغ مصروفات الموازنة الجديدة حوالى 1.424 تريليون جنيها تقريبا، وتنفق أموال الموازنة على 5 أبواب ثابتة أعلاها باب الفوائد، والذى خصصت له الموازنة الجديدة 541.305 مليار جنيه، وهو ما يمثل حوالى أكثر من 38% من إجمالى مصروفات الموازنة العامة، أى أن فوائد القروض التى تقترضها الحكومة لتمويل عجز الموازنة يلتهم أكثر من ثلث أموال الموازنة، وهو أمر يحتاج إعادة نظر خاصة مع استمرار زيادة هذه النسبة سنويا.
وتخصص الموازنة الجديدة حوالى 270 مليار جنيه لأجور العاملين بزيادة حوالى 4 مليار جنيه عن مقترح الحكومة فى مشروع الموازنة، وبالنسبة لمصروفات الدعم بأنواعه المختلفة من مواد بترولية وتموينية ودعم مزارعين وغيرها من كافة أنواع الدعم بالإضافة إلى المزايا الاجتماعية مثل معاش الضمان الاجتماعى وتكافل وكرامة وغيرها من باقى أنواع الدعم، كان من المقرر تخصيص 332 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة، ولكن نظرا لطلب مجلس النواب زيادة مخصصات الأجور بحوالى 4 مليارات خلال الجلسة العامة التى تم خلالها التصويت على الموازنة وإقرارها نهائيا تم تخفيض هذا المبلغ من قيمة الدعم ولكن من غير الواضح من أى نوع من أنواع الدعم تم هذا الخفض.
كما تنفق الموازنة 60.124 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات من أوراق وأحبار وأدوات كتابة وغيرها من السلع اللازمة لتسيير دولاب العمل الحكومى، وهناك باب للإنفاق يسمى "مصروفات آخر ى" وهو ما يتعلق بمصروفات الدفاع والأمن القومى، وتخصص له الموازنة حوالى 75.699 مليار جنيه.
كيف تسد الحكومة فجوة العجز بالموازنة العامة؟
ولأن العجز متفاقم بالموازنة ويزيد سنويا، ومتوقع أن يصل إلى 438.594 مليار جنيه بموازنة العام المقبل وهذا العجز يمثل نسبته 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى، واعتادت الحكومة لأنه تقترض لسداد هذا العجز سنويا، ويصل حجم الاقتراض بالموازنة المقترحة 714.887 مليار جنيه، تخصص منها 276.043 مليار جنيه لسداد أقساط القروض فى السنوات السابقة، أما باقى المبلغ فهو يوازى حجم العجز المستهدف بالموازنة الجديدة.
كيف غيرت مناقشات البرلمان الموازنة المقدمة من الحكومة؟
فى السابق لم يكن فى مقدور مجلس النواب إجراء أى تعديلات على الموازنة، فإما يقبلها أو يرفضها تماما وتقوم الحكومة بإعداد موازنة جديدة تماما وإعادة عرضها على البرلمان، حتى صدرت تعديلات على قانون الموازنة العامة عام 2008 تسمح لمجلس النواب بتعديل أى مادة فى الموازنة، ولكن هناك شرط لإضافة أى أعباء مالية أو مصروفات لم تكن مدرجة فى المشروع المقدم من الحكومة، وهى أن يقترح المجلس كيفية تدبير الأموال اللازمة لمواجهة هذه المصروفات الإضافية.
الجدل الأكبر الذى كان دائرا خلال المناقشات يتمثل فى طلب المجلس زيادة نفقات الصحة والتعليم، ليس فقط لتحقيق الالتزام الدستورى ولكن لزيادة الموارد المتاحة لهذه الخدمات الهامة، وهو ما تمكن البرلمان من إقراره فى الجلسة العامة فعليا، حيث عدلت وأضافت بعض المصروفات الهامة بقيمة إجمالية 7.15 مليار جنيه أن يؤثر ذلك على زيادة العجز المستهدف عن 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى كما يلى دون:
وزارة التربية والتعليم
وزارة التربية والتعليم:
دعم موازنة الباب الأول (أجور العاملين) بمبلغ 500 مليون جنيه فى صورة حوافز لمدرسى رياض الأطفال، لتدعيم تطبيق منظومة التعليم الجديدة.
دعم موازنة الباب السادس (الاستثمارات) بمبلغ 2 مليار جنيه، وذلك لتغطية تكاليف الحصول على أجهزة التابلت اللازمة لتطبيق منظومة التعليم الجديدة، ولتجهيز المدارس تكنولوجيا.
دعم موازنة هيئة الأبنية التعليمية بمبلغ 500 مليون جنيه باب سادس(استثمارات)، وذلك لزيادة القدرة على توفير عدد من الفصول الجديدة، وفقًا لاحتياجات الوزارة.
فى إطار حزمة برامج الحماية الاجتماعية المقدمة خلال العام المالى 2018/2019 سوف تقرر زيادة فى الأجور والمرتبات لموظفى الدولة الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، وكذلك غير الخاضعين لهذا القانون، ويقدر نصيب المعلمين بوزارة التربية، والتعليم من هذه الحزمة ما بين 7 – 8 مليارات جنيه.
وزارة التعليم والتعليم العالى
زيادة حافز الجودة للسادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمراكز البحثية بمبلغ 500 مليون جنيه.
دعم المستشفيات الجامعية باب ثانى(السلع والخدمات) بمبلغ مليار جنيه.
وزارة الصحة
دعم بند العلاج على نفقة الدولة بقيمة 500 مليون جنيه، على أن يتم تخصيص هذا المبلغ لمواجهة الزيادة فى تكلفة خدمة الغسيل الكلوى.
دعم بند الأدوية وألبان الأطفال بـ500 مليون جنيه.
دعم بند الصيانة بمديريات الشئون الصحية (شراء سلع وخدمات) بمبلغ 500 مليون جنيه.
هيئة السكك الحديدية
وزارة النقل
دعم مخصصات الهيئة القومية لسكك حديد مصر (باب سابع حيازة الأصول المحلية والأجنبية) بمبلغ واحد مليار جنيه، لاستكمال المشروعات الخاصة بالهيئة.
قطاع الثقافة والإعلام
زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للهيئة العامة للاستعلامات (باب سادس الاستثمارات) بمبلغ 67 مليون جنيه، لتجهيز وتشغيل قطاع المعلومات والبحوث وشبكة الإنترنت، ونظام الفيديو كونفرانس، وشراء الآلات والأجهزة اللازمة لحفظ أفلام التراث القومى الوثائقى للدولة، بالإضافة إلى تجديد مبنى الهيئة، وكذلك استكمال إنشاء مجمع إعلام أبو سمبل، وطنطا، وأسوان، ودمنهور، ودمياط، وسوهاج، والمنصورة، ومجمع إعلام الفرافرة.
زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للهيئة العامة للاستعلامات (باب ثانى شراء السلع والخدمات) بمبلغ 25 مليون جنيه، لمواجهة نفقات التشغيل والإيجارات اللازمة للمكاتب الإعلامية الجديدة.
زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للهيئة العامة للاستعلامات (باب أول أجور العاملين) بمبلغ 58 مليون جنيه، وذلك لتغطية تكاليف الأجور والمرتبات لعدد من المكاتب الإعلامية الجديدة.
الهيئة الوطنية للانتخابات
الهيئة الوطنية للانتخابات
خفض الاعتمادات المالية المخصصة للهيئة الوطنية للانتخابات (باب أول الأجور) بمقدار 50 مليون جنيه، حيث طلبت لجنة الخطة والموازنة بيانات كاملة حول هذا الباب، ولم يتم استلام هذه البيانات.
التعديلات التى أقرها البرلمان شملت أيضا إلزام وزارة المالية بالعرض بالحصول على موافقة مجلس النواب قبل الاقتراض من الخارج من خلال طرح أوراق مالية بالعملة الأجنبية، حيث عادت وزارة المالية لسوق السندات الدولية منذ عام 2015، ولم تكن تحصل على موافقة من البرلمان قبل الطرح والاقتراض من الخارج عبر طرح سندات دولية.
ولزيادة هذه المصروفات وتطبيق التعديلات السابقة اقترح البرلمان عدد من الإجراءات لتنفيذها خلال السنة المالية لتوفير موارد مالية حقيقية، حتى لا تضطر الحكومة إلى مزيد من الاقتراض للوفاء بهذه المصروفات، وشملت اقتراحات النواب مجموعة من الإجراءات التى يمكن أن توفر حوالى 100 مليار جنيه، كما جاء بتقرير الجلسة العامة الأخير، يخصص 70 مليار منها لزيادة الإنفاق على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، ويوجه باقى المبلغ لسد عجز الموازنة.
وتتمثل أهم الإجراءات المقترحة التى قد يتم ترجمة بعضها لقوانين، فى بإمكانية استبدال جزء من الدين العام المستحق للبنوك الحكومية بملكية أستهم فى المشروعات القومية الجديدة، مما يساعد على خفض شرائح الدين المحلى، وترشيد المبالغ المخصصة للدعم من خلال توجيهه إلى الفئات المستحقة، وإعادة هيكلة الجهاز الإدارى للدولة، والتوسع فى تطبيق موازنة البرامج والأداء، ووضع الضوابط الكافية لتحصى الضرائب من المهن غير التجارية والمهن الحرة، وفرض ضريبة إضافية على تعاملات الأجانب على الأصول الرأسمالية داخل مصر بيعا وشراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة