لا أعرف لماذا من بين الشخصيات الكثيرة والمهمة لشكسبير ظل «هاملت» وحده صاحب الأثر الكبير فى حياتى؟.. يحدث هذا رغم أننى طوال الوقت أقول لنفسى «لا شبه بينى وبين هذا الأمير الدنماركى الحزين».
كانت مسرحية «روميو وجوليت» هى أول تعرفى على الكاتب الكبير شكسبير، الذى عثرت على الكثير من مسرحياته فى مكتبة المدرسة الثانوية، ورغم إعجابى بالمسرحية، لكنها لم تلق هوى كبيرًا فى نفسى، ربما لاعتقادى وقتها بأن الإنسان قادر على التحكم فى الحب، نوعًا ما، وأن الحب مهما كان جماله، لكن المفروض ألا يذهب بالإنسان إلى التهلكة.. كانت هذه آرائى، ولا يزال بعضها يشكل اعتقاداتى حتى الآن، المهم أننى قرأت «روميو وجوليت» وشعرت بالمبالغة بعض الشىء، وأرجعت ذلك للزمن الذى كتبت به، فشكسبير نفسه مات منذ 400 عام، وحتمًا كانت المبالغة جزءًا من الكتابة، هكذا تخيلت.
لكن الأزمة الفكرية والنفسية حدثت لى عندما قرأت «هاملت»، فقد ظلت شخصيته مسيطرة على تفكيرى، وصار يظهر لى مثل شبح والده طوال الوقت، كنت وقتها قرويًا أظن بسبب الحكايات الكثيرة التى نسمعها وقصص الأطفال التى نقرأها أن الأمراء لا يعرفون المشكلات، وأنهم يملكون حلولًا سحرية لكل شىء، لم أظن أبدًا أن الهم والحزن قد يدمران حياة أى شخص حتى لو كان أميرًا، ويصل به إلى خط النهاية فى تراجيديا مأساوية.
وقد مرت مسرحية «هاملت» بدرجات معينة فى عمرى وفى حالتى النفسية، ففى بداية الأمر لم أتفهم دوافع الشخصية «هاملت»، والتى أودت به إلى هذه الحالة الصعبة من الإحساس بالضياع، رغم كراهيتى الشديدة لأمه وعمه، وقلت فى نفسى «كان يمكن له أن يلقى كل ذلك جانبًا ويعيش، أو ينتقم على طريقة المكر كما كنا نقرأ فى كتب المغامرات، ومثلما فعل الكونت دى مونت كريستو فى الرواية الشهيرة»، كما تمنيت من أبيه أن يكون رحيمًا به ومشفقًا عليه، فلا داعى للظهور المتكرر الذى كاد أن يطيح بعقل «هاملت»، لكن مع الوقت والاستماع للآراء المختلفة والكاشفة حول هذه المسرحية ومسرحيات شكسبير الأخرى تغيرت وجهة نظرى، وصرت متعاطفًا مع «هاملت» تمامًا ومتفهمًا لدوافعه، ومتعاطفًا أكثر مع حبيبته، الضحية، «أوفيليا»، بل تطور الأمر إلى أكثر من ذلك، فقد تمنيت أن ينتقم «هاملت» من الخونة، وحزنت لأنه مات فى النهاية بشكل درامى، يعمق الجرح ويدفع إلى مزيد من الاكتئاب.
ربما كان الأثر الأكبر الذى تركه «هاملت» هو يقينى بأن الإنسان واحد، سواء كان أميرًا أو غفيرًا، وأن أهم الأشياء التى يجب علىّ ملاحظتها هى «مشاعر الناس»، فهم حتى لو «غلفوا» بأطر معينة لا تكشف عنهم، لكنهم فى النهاية هم مجموعة من المشاعر حتى ولو لم أتفق معها.
لكننى أعترف بأننى لم أتعلم حتى الآن الدرس الأهم من تراجيديا الأمير الدنماركى، وهو عدم الاستسلام للحزن، فلم أزل أعيد بناء العوالم الماضية وأهدمها من جديد بلا طائل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة