محمد حبوشه

"غادة عبد الرازق" .. نجمة الأداء الأولى بلا منازع!

الجمعة، 22 يونيو 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بغض النظر عن إنه كان هناك اقتباس أو تمصير لمسلسل "ضد مجهول" على سبيل التعامل مع الأفكار بحرية لاستدعاء ما تجود به على المبدع، إلّا أنه خرج من إطار أزمة النقل الحرفي، حيث قدم فريق التمثيل أداءً جيدا بعيدا عن شخصيات العمل الأصلي، ولقد بدا فى جوهره أداءً مصريا خالصًا أراه يتطور يوما تلو الآخر، فقد أجادت "غادة عبد الرازق" فى تجسيد دور "مهندسة الديكور ندى" بهدوء وقدرة وتمكن لتصبح نجمة الأداء الأولى بلا منازع، ونجحت إلى حد كبير فى رسم شخصية العمل بعيدا عن الإثارة أو الإغراء، كما اعتادت على ذلك فى أعمالها السابقة، فهنالك فنانات كثر يحبون دوما الظهور بكامل أناقتهم وشياكتهم وعدم التخلى لحظة واحدة عن "الميكب" الذى يكون فى الغالب ضدهم، وخصوصًا إذا ظهروا فى أدوار تتطلب التخلى عن الجمال فى سبيل إقناع أكثر للمشاهد، وهذا ما استطاعت "غادة" أن تكسره بصراحة ، ويبدو أنه ليست لديها أزمة إطلاقا فى ظهورها بشكل تتخلى فيه عن أنوثتها من أجل إقناع الجمهورها بـ "الكاراكتر" الذى تقدمه كما جاء فى "ضد مجهول"، حين تخلت عن شعرها وظهرت بشعر قصير ونظارة طبية حتى تكون مناسبة أكثر لشخصية مهندسة الديكور.
 
غادة اعتادت تغيير شكلها حسب الشخصية التى تؤديها ففى شخصية "نعمة الله" التى قدمتها فى مسلسل "الحاج متولي" قدمت "كاراكتر" لاينسى من عدة نواحى ، فطريقة كلامها وردود فعلها ووجهها وملابسها التى اشتهرت بها وقتها بالعبايات و"القمطة" و"الغوايش الدهب" لا تختلف كثيرا عنها فى مسلسل "الباطنية"، الذى بدت فيه امرأة أكثر جمالًا، وكانت "الشيشة" تلازمها فى أغلب الحلقات كى تتناسب مع شخصيتها فى المسلسل، وأيضا نفس الأمر تكرر مع "زهرة وأزواجها الخمسة" الذى اتبعت فيه "استايل" خاص لتشتهر بكثرة ارتدائها "العبايات" مع لفة طرحة معينة تتناسب مع الشخصية، وربما اقتربت من ذلك أكثر مع شخصيتها فى "سمارة" "بالملاية اللف والجلابية البلدى والبرقع"، إلا أنها عادت للاختلاف فى مسلسل "السيدة الأولى" بارتدائها الملابس الكلاسيكية لتكون ملائمة للشخصية، وكذلك فى مسلسل "الكابوس" جاءت بـ "لوك" جديد أو مختلف يبهر الجمهور، فكان أغلب ملابسها تميل إلى اللون الأسود مع لفة طرحة "اسبانش"، لكنها خطفت الأنظار من خلال ملابسها فى "حكاية حياة" والتى تعكس أنوثتها، ثم جاءت فى العام الماضى فى "أرض جو" لتتمتع برشاقة وأنوثة جعلتها تبدو أصغر من عمرها الحقيقي، وتعمدت عدم خلق تقاليع كى تلفت الانتباه ولكن جمالها الطبيعى مع ملابسها التى ارتدتها كمضيفة طيران وفساتين ولوك آخر جعلها فى عيون الجميع نجمة لامعة، لكنها افتقدت ذلك البريق الأخاذ فى الأداء جراء سيناريو ضعيف وحوار ساذج أوقعها فى فخاخ كثيرة نالت من نجوميتها التى كادت أن تتلاشى بنهاية هذا المسلسل، والذى يعد بقعة سوداء فى تاريخها الفنى باعتبارها "سيدة الأداء" كما أطلقت عليها هذا اللقب ثناءا على دورها فى مسلسل "الكابوس" قبل ثلاثة أعوام .
 
جاء أداء "غادة" فى "ضد مجهول" بقدر من السخونة من البداية وحتى الحلقة الرابعة من المسلسل، والتى كانت منتهى الإثارة والتشويق، واستمر المسلسل فى الحفاظ على إيقاع سريع للحلقات يحمل تعدداً فى الشخصيات الدرامية وخلفياتها بصورةٍ واضحة، ولم يصب المشاهد بالملل حتى فى استعراض الشخصيات الفرعية التى سيكون لها أدوراها فى الحلقات التالية، وهو ما يوضح أن "عبد الرازق" نجحت فى الإلمام بتفاصيل شخصية "المهندسة ندى" - بحسب ردة فعل المتابعين - كما أن إطلالتها بالشعر القصير فى الأحداث جاءت متوافقة بشكلٍ كامل مع طبيعة الشخصية التى تجسدها ، فبالرغم من طبيعة عملها لا تنسى أنها أنثى وعلاقة الحب بينها وبين زوجها مستمرة مع اهتمام كل منهما بالآخر والعمل على إرضائه، لكن سرعان ما انقلبت الأحداث رأساً على عقب بعد ذلك لتقلب موازين المشاهدة فى مصر والوطن العربى، وتجعل المسلسل فى مقدمة المسلسلات التى يتابعها الجمهور عبر موقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب" أو الأكثر بحثاً عبر "جوجل". 
وتستمر الإثارة والتشويق فى الحلقات التالية من المسلسل الذى يلقى الضوء على قضية من أخطر القضايا التى تتعرض لها المرأة وهى "الاغتصاب"، وما تمثله تلك الظاهرة من قهر وظلم ومدى تأثيرها على الفرد والمجتمع، من خلال قصة تعد التعاون الثالث بين الفنانة "غادة عبد الرازق" والسيناريست "أيمن سلامة"، واللذين سبق وقدما معًا مسلسل "مع سبق الإصرار" عام 2012 وحقق نجاحا كبيرا وقت عرضه، واستثمارا للنجاح جددت معه التعاون فى العام التالى خلال مسلسلها "حكاية حياة"، ليعودا ويجتمعا من جديد فى "ضد مجهول" بعد غياب 5 سنوات، ويأتى نجاح المسلسل من كونه مسلسلاً اجتماعياً يستهدف كافة الشرائح العمرية دون أى تصنيف، وقد نجح فى ذلك، فالوجبة الدرامية التى يقدمها نجحت فى إعادة مفهوم "الدراما الاجتماعية" مرة أخرى، بعدما طغت أعمال "الأكشن" على الأعمال الرمضانية خلال السنوات الأخيرة.
 
لقد أثبتت النجمة "غادة عبدالرازق" أنها تستطيع دائما أن ترسم لنفسها طريقا مختلفا فى الأداء التمثيلى إذا توفر لها ورق جيد، ولا ينافسها فيه أحد، كما أن أسلوب اختيارها لأعمالها يتسم بعدم التردد وبالجرأة فى اختيار أعمال مثيرة للجدل، وهى فى العادة لا ترضى بالأدوار العادية التقليدية التى لا تضيف إلى رصيدها الفنى عند جمهورها، والذى اعتاد أن يراها دائما فى المقدمة وفى صدارة المشهد الفنى وعلى قمة النجاح، فهى تتبع قاعدة التمثيل بحسب "هارفى كاتيل" والتى تقول: إن التمثيل عبارة عن رحلة إلى الداخل لمعرفة الذات وفهم المشاعر والدوافع والقدرات، إنه يحتاج إلى امتلاك تلك القدرة على ارتياد وسبر وفهم والتعبير عن تلك الوفرة من الأحاسيس التى تحتدم بداخله، وكما اكتشف "كاتل" أنه من خلال التمثيل وحده يستطيع أن يفعل ذلك ٬ بأن يعبّر عن ذاته  ، وأن يجسد المشاعر والانفعالات التى لا تجد لها مخرجاً أو منفذاً إلا عبر التمثيل، فقد توصلت "غادة" فى "ضد مجهول" إلى نفس النتيجة بألعاب تمثيلية احترافية تضعها فى مصاف النجوم الأوائل، وهى بالتأكيد فى هذا المسلسل حرصت على عناصر التشويق والغموض والإثارة، مثل الكثير من أعمالها السابقة، من خلال وجود لغز فى المسلسل خلق حالة من التفاعل الإيجابى مع الناس والجمهور، فكما هو مؤكد فإن الحيرة والقلق يزيد من المتابعة وانتظار الحلقات بفارغ الصبر، فضلا عن ذلك فإنه يصنع حالة من  التخيلات والتخمينات والأحاديث عن العمل، وهذا ما تحبه "غادة"، وتعتبره نوعًا من أنواع النجاح، لأن العمل موجه إلى جمهور، وما دام هذا الجمهور تفاعل مع المسلسل على هذا النحو، فهو دليل على قدرة المسلسل الفائقة فى جذب انتباه المشاهد.
ولعل الإقبال الكبير ونسب المشاهدة الضخمة التى حققها المسلسل خلال 30 يومًا  يؤكد أن الجمهور المصرى أصبح يفتقد للدراما الاجتماعية بمثل هذه النوعية، وهو ما نجح فيه "ضد مجهول"، بل إنه حقق المعادلة الصعبة فى جذب المشاهد لجريمة يعرف جيدا من قام بها، ولكنه يصدم بأن بطلة العمل لا تستطيع أن تعيد حق ابنتها المقتولة، وفى نفس الوقت، يشهد العمل خطوط درامية متفرعة تنم عن عمل درامى متكامل، لجأ لأسلوب السهل الممتنع فى السرد والذى رسمه السيناريست "أيمن سلامة".
 
 كل ذلك لم يساهم فى استعادة "غادة عبد الرازق" مكانتها الجماهيرية كنجمة أولى للدراما المصرية فحسب، ولكن أيضا الفنانين والفنانات الذين يقفون أمامها دائما ما يتألقون بشكل غير اعتيادى، كما ظهر فى أداء "حنان مطاوع" والذى لا يختلف على موهبتها أحد، ولعلها نجحت فى اختيارها هذه المرة عندما قررت منذ البداية ألا تقبل أدوارا تتعارض مع قدراتها الجسمانية والسيكولوجية معا، لذا قررت أن تجد سبلا مختلفة لشد انتباه المتفرج من خلال تلك الأدوار التى تحمل تعقيدات الحياة وصعوباتها وشراكها، وميلها إلى شخصية لامبالية ٬ ضجرة ٬ تتسم بالضعف والقوة معا، وتتحرك ضمن حدود معينة، إنها ذلك الشخص المعنوي٬ المضطرب٬ البارع فى الإغواء، الذى يمارس هذه الأشياء البغيضة ليثير الذعر فى قلوب الآخرين ويستمتع بالتلاعب بعقول الآخرين.
 
ويبدو جانبا من هذا التألق واضحا جليا فى أداء "روجينا" لشخصية القوادة "مايا" والتى أكدت بتجسيدها لهذه الشخصية أن ثمة ممثل ينمّى صورة شاملة للشخصية بكل خلفياتها وأنماط سلوكها  وممثل ثانى يحفر فى الشخصية عميقا وهو يعلم بأنه سيكتشف أشياء لم يتوقعها  وممثل ثالث يغمر نفسه فى الشخصية ويختفى أو يتوارى فيها حتى يصبح من الصعب فصل الشخصية عن الممثل٬ وهناك رابع يدع الشخصية تنسل إلى داخله تدريجيا، وروجينا من النوعين الثالث والرابع معا، كما تجلى فى أدائها الذى كلما ازدادت فيه غموضا أثارت الاهتمام أكثر، فالتحول خاصية أساسية فى التمثيل لديها، إنه انسلاخ عن الذات وتقمص للآخر "شخصية مايا" بكل سماتها وخصائصها وميزاتها لتصبح تلك الحية الحاضرة دوما تنفث سمومها فى كل مراحل تطورها ضمن الأحداث، و شيئا من هذا أيضا برعت فيه "مها نصار" ليس فقط فى الدخول فى جلد شخصية "شيماء" ، بل أصبحت هى نفسها الشخصية التى تمثلها، وكأنها تؤكد على مبدأ إنه يجب على الممثل أن يفهم المؤلف ويفهم دوره جيدا، وعليه وهو يقوم بالتدريب أن يتخيل الشخص الذى يمثله وأنه هو نفسه تعرض للمواقف التى تعرضت الشخصية لها، مع التأكيد على صدق التعبير بأن يتكلم بصوته ولهجته الطبيعية وأن يؤدى انفعالات الشخصية التى يمثلها كما هى لدى عامة الجنس البشري، كما يكتب حسن الأداء أيضا لكل من "محمد جمعة" فى دور المحامى الفاسد و"دياب" فى دور القاتل "حمدي"، فقد برع الاثنين فى تطوير استجابة عاطفية مناسبة للموقف الذى تمر به الشخصية الدرامية،وذلك من خلال استعادة تجربة مر بها هو أو غيره إلى أن تمكنا من إظهار العاطفة المطلوبة فى تعبيرهما، ومن ثم فقد نجحا فى الوصول إلى دوافع وهدف الشخصيتين اللتين قاما بأدائهم.
 
ربما يتساءل البعض عن سر نجومية غادة عبدالرازق التى تزداد بريقها يوما بعد يوم، وأيضا ربما يتساءل آخرون عن تلك العلاقة الغامضة التى تربط بينها وبين المشاهد منذ الوهلة الأولى ، والإجابة ببساطة : أنها أصبحت ظاهرة فنية فريدة قلما يجود الفن بها ، باعتبترها بطلة متميزة تمتاز برشاقة لافتة تكسوها جوانب من المرونة فى الأداء التمثيلى والبراعة فى اختيار الأدوار ودراستها بعناية فائقة وعمق وفهم كل أبعاد الشخصية التى تؤديها، تماما كما أمتعتنا بنجوميتها فى أدوار الرومانسية والحب ، وفى أدوار مركبة غاية فى التعقيد ولكنها ببراعة وذكاء وتمكن جسدت هذه الشخصيات بدون أن نشعر بمعاناة ، وكأنها لا تمثل فهى تلقائية وعفوية ومنطلقة فى كل أدوارها، ولذلك فى مسلسلها الرائع "ضد مجهول" تنجح وتبهرنا بجاذبية وطاقة جبارة وقوة إشعاع على الشاشة تخطف القلوب قبل الأبصار، إلا أن المشهد الأخير لطريقة الإعدام كما تفعل "داعش" نال من تألقها، وهو ما أعتبره إفلاسا لدى المخرج ، بل هو محاولة لإثارة جدل ما كان ينبغى أن يكون، لأنه ببساطة  أفسد مجمل العمل فى النهاية ، رغم براعة السيناريو والأداء التمثيلى لصناع المسلسل، والذين ضاع مجهودهم بخطأ تعمده من تعمده وبغباء منقطع النظير.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة