كأى أم فرحت السيدة بحضور عريس لابنتها التى قارب أن يفوتها قطار الزواج، كما يقولون، تم الاتفاق على الزواج وتم تحديد المطلوب من العريس والعروس، وهنا بدأت السيدة تفكر فى كيفية تدبير ما تم الاتفاق عليه فى ظل تعثرها المالى ووضعها الاقتصادى السيئ الذى لا يتوفر معه أى تدبير أو موفور مالى لشراء «جهاز العروسة».
فكرت الأم فى التاجر الذى سوف تقوم بالشراء منه بالتقسيط ولسان حالها يقول «يبقى ربنا يفرجها ونسدد»، وبالفعل ذهبت السيدة إلى التاجر الذى جعلها توقّع على شيكات بقيمة البضاعة وشيك آخر على بياض يستخدمه التاجر فى حالة التأخر عن السداد وبالطبع لم ينس أن يضع نسبة أرباح كبيرة نظير التقسيط.
تمت الزيجة وذهبت العروس لمنزل الزوج وبقى الدين يشغل تفكير الأم ليل نهار، وبدأت تشعر الأم أن الأيام تمر بسرعة كبيرة تجاه موعد القسط، وفى النهاية استطاعت الأم سداد شهر أو شهرين من النُقطة التى جمعتها فى فرح ابنتها وأصبحت عاجزة عن السداد بعدما عاد الحال كما هو عليه قبل الزواج ونقوط الفرح.
التاجر ذهب بالشيكات للمحكمة، وبالفعل جرت الأيام بسرعة أكبر ليحصل على حكم بالسجن ضد تلك السيدة.
هذه القصة وقصص أخرى تتشابه فى مضمونها وتنطبق على أغلب قصص الغارمين والغارمات فى السجون المصرية مع تغير بسيط فى الوقائع والملابسات والظروف.
كانت قصص الغارمات كـ«أتب» فى ظهر المجتمع المصرى يشوهه ولا يجعله يفرح به ولا يستطيع تحمله.
وكان القدر يحمل لمصر الخير فأهداها قائدا يحمل كل التقدير لسيدات مصر العظام، حيث جعل نسبة تمثيل المرأة فى حكومته الأخيرة تصل إلى 8 وزيرات، وهو ما يوازى %25 من الحكومة، ما يعنى بالتأكيد أن جزءا كبيرا من تفكيره كان تشغله قضية الغارمات، وعلى الفور وجه تعليماته إلى الجمعيات الخيرية والكثير من مبادرات المجتمع المدنى للإفراج عن الغارمات، ولكن عاما بعد عام لم يجد الرئيس بُدًّا من تدخله الشخصى فكلف وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة لسداد مديونيات جميع الغارمات من خلال صندوق تحيا مصر.
وكتب الرئيس عبر حسابه بموقع التدوينات القصيرة «تويتر»: «وجهت اليوم وزارة الداخلية باتخاذ اللازم للإفراج عن كافة الغارمات من السجون المصرية بعد سداد مديونياتهن من صندوق «تحيا مصر»، كما أكدت على ضرورة أن يقضين أول أيام عيد الفطر المبارك وسط أسرهن».
ولم تتأخر الداخلية فى تنفيذ قرار الرئيس، فوجه اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، فى أول قرار له، قطاع مصلحة السجون بسرعة إنهاء إجراءات الإفراج عن الغارمين والغارمات فى كافة السجون خلال الأيام المقبلة، تنفيذا لحملة الرئيس عبدالفتاح السيسى «السجون بدون غارمين وغارمات».
وكان قد كلف وزير الداخلية اللواء مصطفى شحاتة، مدير المصلحة، بإعداد كشوف الغارمين والغارمات والتنسيق مع الشؤون القانونية ووزارة العدل لإنهاء كل الإجراءات القانونية لتسهيل خروج الغارمين والغارمات فى أسرع وقت، نعم تعتبر مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى للغارمات إنجازا يؤكد البعد الاجتماعى والإنسانى لثورة 30 يونيو ولصندوق تحيا مصر فى اهتمامه بالمواطنين الأكثر ألما، كما قالت الدكتورة سكينة فؤاد، الكاتبة الصحفية والمستشار الأسبق لرئيس الجمهورية.
وسرعان ما تحقق الحلم بمبيت الغارمات فى بيوتهن ليلة العيد بعدما أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، قراره بالإفراج عن أكثر من 960 غارما وغارمة ضمن العفو الرئاسى الذى يشمل 2787 سجينا، وكان صندوق تحيا مصر قد تكفل بديون هؤلاء الغارمات، والتى بلغت أكثر من 30 مليون جنيه.
الرئيس السيسى هو أب وإنسان لكل الأسر المصرية، وقراره فيه إدراك كبير لحجم المعاناة للأسرة المصرية التى تعولها امرأة، خاصة أن بعض هؤلاء النساء قد يسجن بسبب مبالغ مالية زهيدة لا تتعدى آلاف الجنيهات.
الرئيس يؤكد رغبته فى رفع الظلم عن المظلومين، خاصة أن هؤلاء تم سجنهم نتيجة لديون بسيطة لا تتجاوز بضعة آلاف من الجنيهات ويعطى المثل لعمل المجتمع المدنى فيما ينفع الناس حقا، فليست المظاهرات وحدها هى حقوق الإنسان التى يجب أن ندافع عنها وننسى باقى الحريات وهى الحق فى التعليم والعيش بسلام وغيرها من الحقوق التى ذكرها الرئيس فى مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس الفرنسى فى إحدى زياراته لباريس.
نعم كانت الفرحة تملأ المكان بالتصفيق والغناء أثناء إنهاء إجراءات فك كرب الغارمين، قصص إنسانية لا تكفيها روايات العالم التى كتبت وتحتاج لكتابة أخرى، كتابة تدخل إلى أعماق الإنسان الذى يضحى من أجل أولاده ويعرّض نفسه للسجن والمخاطر فقط «ليستر» الأبناء والبنات.
نحتاج إلى كتابة تقف عند هذا التاجر الذى يستغل معاناة أهلنا ولا يراعى وجه الله فيهم، فمرة يحصل على شيك على بياض وأخرى يضع أرقاماً مرتفعة لأرباحه على هذه الأجهزة وغيرها من الوسائل.
نحتاج إلى نظام قانونى مختلف يضع حدا أدنى وشروطا لمن يتم سجنه، وأعلم أن البرلمان مهتم بهذه القضية خلال الفترة الراهنة، وهو ما انعكس على تقديم العديد من النواب مشروعات قوانين بشأن هذا الصدد لمعالجة المشكلة من جذورها وقبل دخولهم السجن، بأن تكون هناك عقوبات بديلة للسجن، على سبيل المثال الخدمة العامة، لكن أن نضعه مع المجرمين فيخرج لنا إنسانا آخر بعد معاشرته للمجرمين، إنسانا آخر غير الذى دخل السجن، بسلوكيات وأخلاق وخبرات بالطبع ستكون مختلفة.
وليس من المستغرب أن يفعل الرئيس هذا مع الغارمات، بل ضرب مثالاً آخر وفى ساعات قليلة بعدما كرم الرئيس عددا من أبناء شهداء القوات المسلحة والشرطة، خلال الاحتفال بعيد الفطر المبارك، بمركز المنارة للمؤتمرات.
نعم حرص الرئيس السيسى على دعوة 100 طفل من أبناء شهداء الجيش والشرطة لمشاركته صلاة العيد فى مسجد المشير، وبعد الانتهاء من الصلاة قام الرئيس فى لفتة إنسانية كبيرة بمصافحة أبناء الشهداء، مبتسما لهم ومداعبا إياهم، ما أدخل السعادة والبهجة فى قلوب الأطفال، وبعد صلاة العيد أقيمت احتفالية كبيرة لأبناء الشهداء، حضرها الرئيس لتكون الاحتفالية والحفاوة بأبناء الشهداء رسالة وفاء من الدولة المصرية ممثلة فى رئيسها، بأن مصر لن تنسى دماء شهدائها وتضحياتهم الكبيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة