جهاد الدينارى

سارق أحلامها

الأربعاء، 09 مايو 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
                 
ثلاثينى له لحية وشارب 
 قوى البنيان وشعره شايب
ثاقب النظرات قليل الضحكات
 له هيبة ورأس مرفوعة 
محدد وصارم وكلمته مسموعة
يظل هكذا بمظهر الجعود
قلبه يختلط فيه الطيبة بالجحود 
حتى تأتى تلك المدللة الصغيرة 
وتدعه يفك لها الضفيرة  
فتفتح قلبه الذى عن الحب تاب
وتنسيه القسوة ليسقيها من الحب أكواب 
................ 
ربما وأنت تقرأ هذه السطور للوهلة الأولى تعتقد أنها أبيات شعر منظومة أو كلمات مرتبة ومصفوفة كتبها أديب ليفرغ من مهمته ويكمل بها قصيدته، لكنها فى الحقيقة مجرد وصف بسيط "لسارق الأحلام"، أقصد " فارس الأحلام" كتبته فتاة لا تعرف للشعر سبيل ولا تدرك قوانين بحره وقواعد وزنه وقافيته، ضاق بها الحال وآلمتها الكلمات السجينة بداخلها وقررت أن تحررها بالقلم وتخرجها بتلقائية على ورق ، ربما تتخلص من حالة المرار والأرق، فنقلت بقلمها البائس الواقف عن العمل، صورة  لسارق أحلامها" عفواً للمرة الثانية أقصد " فارس أحلامها"، فباتت تنتظره منذ أن بدأت معالم الأنوثة تزين جسدها وأخذ " خراط البنات" كما يقولون يضع لمساته الأخيرة على قوامها، ولجأ قلبها لخيال الراويات العاطفية وانبهر عقلها بأجواء الأساطير الأغريقية، فأعطت ظهرها للواقع دون أن تلتفت له مطلقاً، مكتفية بالأدب وحكايات العشق الذى شكل لها وجدانها. 
 
وعاشت داخل أحداث الروايات وتمنت بأن تكون تلك "البشرية" التى عشقها " زيوس" كبير آلهة الأوليمب كما أقرت لها أسطورة إغريقية تعلق بها قلبها، وأخذ عقلها يشطح بخياله ويقول لها لما لا؟ ربما تتحقق تلك الأسطورة وتجدى "زيوس" بطلك المفضل خارج صفحات الكتب ، ربما يبتسم لكِ الحظ وتلعب الأقدار لعبتها وتجديه فى واقعك ، وظل عقلها يأمرها بأن لا تتنازل عن " فتى أحلامها" ذلك الرجل القوى ذو الطبيعة الصارمة مع الأخرين ، ومعها طفل فى عمر عامين، فاستمعت إلى أوامر عقلها واعتكفت عن الحب سنوات طويلة ، وفى رحلة البحث عن " زيوس" كسرت قلوب أخرين دون قصد وحطمت أحلام معجبين دون عمد ، محتفظة بقلبها صافى بريء رافضة أن يداعبه أحد، معتقدة أنها بذلك تدخر مشاعرها لمن يستحق  .
 
وظلت تاركة لعقلها مقاليد قلبها وظنت أنها ستترهبن من أجل حلمها البعيد ، لكن الأمور لم تستمر هكذا طويلاً، وفى يوم اقتحم رجل فى منتصف الثلاثينات حياتها جعل عقلها يستسلم لأول مرة لأحكام قلبها، وتحققت المعجزة من وجهة نظرها، فاخيراً وجدت "زيوس" بهيئته الوقورة فى صورة بشر، فغاصت فى بحر أحلامها وارتفع سقف أمنياتها فى بيت يجمعها به، وسلالة تزيد ترابطها به.
 
وظلت تنتظر لحظة اكتمال الأسطورة، وقدمت له من الحب ما يكفيه ويفيض، متلهفة للحظة سقوط قناع القسوة والجحود ليكشف عن وجهه الحنون الذى طالما كان يخفيه عن الوجود، ويفتح لها أذرعه ويدع لها الفرصة لتقترب منه للدرجة التى تجعلها تستنشق أنفاسه وتشعر بنبضاته وتهيم بقلبه ودقاته، كم تشوقت ولو للحظة، لحظة فقط ينسى بها ألوهيته المصطنعة، ويركض معها كطفل ويلقى بهمومه بين أحضانها، ويلهو ويبكى ويضحك ويقع وينهض، ويشاركها تفاصيل حياته ويؤمن بها كما آمنت بدين حبه.
 
لكن كما قلت، الأمور لم تستمر هكذا طويلاً، ولم يتركها الواقع تهنأ بخيالها كثيراً، فحبيبها لم يستطع تجسيد صورة بطلها المفضل داخل الروايات، فالبشر لا يمكنهم أن يلعبون دور آلهة الإغريق، وقناعه الذى كانت تنتظر سقوطه عشماً فى أن تجد من الحنان ما يريح قلبها، سقط بالفعل لكن لم تجد خلفه سوى الجمود، والحب الذى كانت تتمناه ظل محاصراً بين سطور رواياتها.
ولكن بطبيعتها المعافرة مع الحياة والمتمسكة بأحلامها، قررت أن لا تستسلم وتحاول أن تقتنع بأنه مجرد بشر لا يمكنه أن يطير بأجنحة إذا أرادته أن يحلق فى سمائها، ولا يستطيع بلمسة يد أن يحمل عنها أحزانها. 
 
وحاولت أن تتمسك بآخر أمنياتها فى أن تشعر بمجرد حبه لها واختزلت طموحها فى العيش معه وكفى، وحاولت تتأقلم مع طبيعته الجامدة ومشاعره المستترة ، وإحساسه بها الخفى، ثم حاولت وحاولت وحاولت، وأخذت تحاول وتحاول، حتى فرغت محاولاتها، وثارت على قلبها ولعنت عقلها الذى خدعها ولم يتحقق من شخصية حبيبها ، فهو لم يكن يوما "زيوس" ولم يستطع تجسيد دوره الرومانسى حتى من أجلها، بل لم يستطع حتى أن يعلن عن مشاعره لها.
 
وظلت الأسئلة تدور برأسها، من المخطئ فى قصة حبها؟ من الجانى ومن المجنى عليه ؟، من السبب فى البعد؟ هل هو الذى لم يتفهمها ولم يستوعب عظمة عشقها له؟ أم هى التى طلبت منه الكثير وتعشمت فى أن تحيا بعلاقة خارج قدرات البشر؟
هل هو من استهتر بقدسية العلاقة وخيب ظنها فى حبه لها ؟ أم هى من شطحت بخيالها وطالبت بأن يسير على نهجها فى الحب ويتخلى عن طبيعته ؟  
 
وعندما احتارت ولم تجد إجابة على أسئلتها أدركت وقتها أن الخيال هو ملجأها الوحيد وأن البعد عنه و العودة للانغماس فى رواياتها هو دواءها الأكيد ، فبعد جرحها الذى تخفيه عن العالم لم يعد لها مكان، وحياتها وسط أبطال القصص هو الشىء الوحيد الذى يشعرها بالأمان .. وتوصلت لحقيقة واحدة  أن الآلهة لا تعشق إلا فى الأساطير وأن فتى أحلامها فى القصص ماهو فى الواقع إلا سارق لأحلامها .
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة