ونشر قيم السلام والتسامح والتنافس الشريف.. هذه هى مبادئ الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى فى العالم والأكثر تأثيرًا فى الملايين من عشاقها، وطالما امتلكت القدرة على جمع المختلفين فى الثقافات والديانات والعرقيات على شيء واحد وهو حبها لذا سُميت بـ"الساحرة المستديرة" لكن البعض حرموا سحرها وأرادوا حرقها وحرق من يحبها مثلما كان يحدث مع المتهمين بالسحر والشعوذة خلال القرون الوسطى فى أوروبا!.
5 سنوات من الآلام فى عهد طالبان
قبل 22 عامًا من الآن كانت الساحرة على موعد مع جماعة قادمة من العصور الوسطى أرادت تحريم سحرها وهدم متعتها، وفى عام 1996 ضيقت حركة طالبان الحاكمة لدولة أفغانستان خلال تلك الفترة، الخناق على ممارسة كرة القدم فى البلاد وحرمت مشاهدتها فى كثير من الأحيان، والمبرر أنها رياضة محرمة شرعًا!. ولم يكتف حكام أفغانستان إبان هذه الفترة الظلامية بتلك الإجراءات لكنهم حولوا ملعب "غازى" إلى "ساحة إعدام" تُنفذ فيه الأحكام المختلفة ضد المعتقلين سياسيًا وجنائيًا ومعارضى نظامهم.. فمن المخزى القول أن ساحة الملعب الخضراء تم تلطخيها بدماء من فجرت رؤوسهم وقطعت أيديهم.
انطفأت أنوار ملعب غازى لمدة 5 سنوات حتى انزاحت غمة طالبان عن بلاد الأفغان فى عام 2001، لكن ما تركته فترة النصف عقد من الزمن لن يُمحى من تاريخ كرة القدم وأذهان كل من يحبونها، فقد تحولت صيحات التشجيع وأهازيج المنتصرين وتصفيق المهزومين إلى صراخ المظلومين!. مكمن الآلآم بالنسبة لما حدث على الرقعة الخضراء للملعب المتسع لـ 25 ألف متفرج أنه كان جزءً من تاريخ كرة القدم الأفغانية وبالتالى الآسيوية خصوصا أن تاريخ افتتاحه يعود إلى عام 1941. وعادت الحياة إلى ملعب غازى فى عام 2003 مجددًا، وتم تجديده لكن مازال البعض داخل أفغانستان يعتقد فى وجود أشباح تسكن هذا المكان لذا يخشون دخوله بعد حلول الظلام!.
كرة القدم وأباطرة الإرهاب
بعد استعراض نموذج طالبان وكرة القدم كأحد التجارب المريرة فى تاريخ الساحرة المستديرة، ماذا عن باقى التنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة والمتشددة، كيف كانت علاقتهم بكرة القدم؟، هل أتبع الجميع نفس النهج التحريم أم أن هناك حالات أخرى فى تاريخ العلاقات بين التنظيمات الإرهابية والساحرة المستديرة.
عندما يدور الحديث عن تاريخ الإرهاب فى العالم، وإبراز أباطرته لابد من ذكر اسم أسامة بن لادن، زعيم القاعدة الذى شغل أذهان الملايين لسنوات طويلة بعدما حير أعتى أجهزة الأمن بعد قيادته لمخطط تفجير برج التجارة العالمى فى الحادى عشر من سبتمبر عام 2011، فكيف كانت علاقته بكرة القدم؟، هل كان يحبها أم يمقتها ويحرمها؟!.
وفقا لما نشرته صحيفة صنداى تايمز البريطانية فى 18 أبريل 2010، أن زعيم القاعدة كان محبًا لكرة القدم، وذلك طبقاً لما ورد فى مذكرات ناصر البحرى أحد حراسه السابقين، والذى قال إنه أحب اللعبة الشعبية الأولى ودائما ما كان يفضل اللعب فى مركز المهاجم حتى بدون نزع عمامته، مستغلاً طوله الفارع فلم يكن يحتاج للقفز لضرب الكرة.وبالنسبة لانتمائه الكروى فإن العديد من التقارير الإعلامية أشارت لحبه الشديد لفريق آرسنال الإنجليزى لكن لا توجد وثائق أو شهادات رسمية تُثبت صحة تلك المعلومة من عدمها إلا أن الحقيقة الثابتة أن زعيم القاعدة كان محبًا لكرة القدم ولم يكن لها عداء مثلما فعلت تنظيمات إرهابية أخرى!.
وبما أن زعيم تنظيم القاعدة كان مُحبًا لكرة القدم، ماذا عن التنظيم التالى له أى داعش وزعيمه أبو بكر البغدادى؟.. كيف تعاملوا مع الكرة خاصة أنهم لم يكونوا مجرد جماعة بل كانوا تنظيمًا قويًا نجح فى فرض سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا؟، وليس هذا فحسب إنما وضعوا قوانين لتلك المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
بالنسبة لزعيم تنظيم داعش فإن هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" كشفت فى تقرير سابق، عن أن البغدادى واسمه إبراهيم عواد إبراهيم البدرى، ولد فى مدينة سامراء شمالى بغداد عام 1971 لأسرة سنية متوسط، وكان فى شبابه حريصا على تلاوة القرآن والالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية، وقد كان البغدادى يُعلم تلاوة القرآن لأطفال المنطقة فى أحد المساجد، ووصفته بأنه كان أيضا نجما لفريق المسجد فى كرة القدم لكن عندما كبر تغيرت أمور كثيرة حتى صار زعيما لأخطر التنظيمات الإرهابية فى العالم.
حال كرة قدم تحت أقدام الدواعش
وبالنسبة لحال كرة القدم بين أقدام الدواعش، فقد أوردت شبكة سكاى نيوز الإخبارية فى تقرير لها يتحدث عن قوانين الدواعش التى طالت الساحرة المستديرة، أن التنظيم الإرهابى أقدم على خطوة غاية فى الغرابة بعدما حظر التحكيم فى المباريات بالمناطق الواقعة تحت سيطرته فى كل من العراق سوريا، ليغيب الحكام عن ملاعب داعش!.
وجاء رفض تواجد الحكام داخل ملاعب داعش نظرًا لرفض متطرفى التنظيم لقوانين الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" فقد كانوا يعتبرونها من الأشياء المارقة!، ومن جانبه أوضح المرصد السورى لحقوق الإنسان، أن محكمة تابعة للتنظيم المتشدد حظرت تحكيم كرة القدم، والسبب فى رأيها كان "منافاته لمقتضيات الشرع الإسلامى".
ووفقا لتقرير سكاى نيوز فإن السكان فى مناطق كدير الزور فى سوريا التى كانت خاضعة لداعش اعتادوا خلال هذه الفترة على الاستمتاع بكرة القدم دون الإشارة للفيفا أو تطبيق قوانينها، خاصة أنه إذا لم تطبق قوانين التنظيم المتطرف فإن المنع من اللعبة بصورة نهائية سيكون الجزاء، وذلك وفقا لما صرح به لاعب كرة قدم فى إحدى مناطق سيطرة الإرهابيين.
وبشكل عام يستكمل التقرير الحديث عن كرة القدم فى ظل حكم الإرهابيين موضحًا على لسان أمارناث أماريزنجام الباحث فى شئون الإرهاب بجامعة واترلو الكندية، قائلأ إن ثمة انقساما بين المتشددين فى النظر إلى كرة القدم، مضيفًا: "إذ إن قسما منهم يعتبر اللعبة نشاطا رياضيا مفيدا للبدن، فيما يحرمها آخرون لأسباب متعددة من بينها التنافس على جائزة، وهو ما قد يدخل ضمن باب القمار".
وما بين بزوغ نجم داعش فى عام 2014 وتهاويه فى عام 2017، أشياء كثيرة لتروى عن علاقة هذا التنظيم والساحرة المستديرة، فقد أقدم الإرهابيون على خطوة تحويل ملاعب إلى سجون وأبرزها ملعب الرقة البلدى السجن الرئيسى لتنظيم داعش.
ووفقًا لما كشفته وكالة الأنباء الفرنسية "أ ف ب" فى تقرير لها، أن التنظيم الإرهابى فرض أحكاما وقيودًا مشددة على المدنيين فقد توقفت كل الأنشطة الرياضية والترفيهية بشكل كامل، فقد منعوا الشعارات الرياضية على الملابس كشعارى فريقى ريال مدريد وبرشلونة، وليس هذا فحسب فقد كان إلزاميًا أن يصل الزى الرياضى إلى أسفل الركبة.
وبكل تأكيد لن يتم التعامل مع "الرقة البلدى" فى سوريا خلال السنوات القادمة على أنه مجرد ملعب كرة قدم فقط بل شاهدًا على واحدة من أكثر الفترات العصبية فى تاريخ الدولة العربية فقد كان هذا مكان سجن رئيسى للتنظيم وإحدى آخر النقاط التى تم طرده منها، وذلك قبل السيطرة الكاملة على منطقة الرقة، ووفقا لتقرير وكالة أنباء فرنسا فإن التنظيم خلال هذه الفترة منع المدنيين من دخول الملعب أو الاقتراب منه. ويشار إلى أن آثار العدوان لا تزال قائمة على الملعب الذى عاد للحياة فى 17 أبريل الماضى خاصة أن غرفة كانت تستخدم كزنازين كما أن فوارغ الطلقات مازالت عالقة بالمدرجات.
دماء على كرة قدم
وبخلاف التحريم والتحليل لكرة القدم والمنع والإباحة فإن التنظيمات الإرهابية استخدمتها فى كثير من الأوقات كفزاعة للعالم، خصوصا أن التركيز الإعلامى يكون كبيرًا على منافساتها، إضافة إلى احتمالات إحداث أكبر قدر من الخسائر تكون كبيرة ومن أبرز الحوادث الإرهابية فى هذا الإطار، ما حدث فى 25 مارس 2016 أدى هجوم انتحارى بحزام ناسف على ملعب شعبى لكرة القدم شمالى محافظة بابل وجنوب بغداد إلى مقتل 45 شخصا وإصابة عشرات آخرين وذلك وفقا لما أوردته قناة العربية، وفى وقت لاحق كشف تقارير إعلامية عراقية عن تبنى تنظيم داعش لهذا التفجير الإرهابى.
أمّا الحادثة الإرهابية الأشهر فى ملاعب كرة القدم لكنها لم تكلل بالنجاح، ما جرى فى 11 أبريل 2017 قبل مباراة ذهاب الدور ربع النهائى بالنسخة الماضية من مسابقة دورى أبطال أوروبا أمام موناكو الفرنسى، وأسفرت عن تحطيم عدة أجزاء من الحافلة، وإصابة مارك بارترا لاعب بوروسيا دورتموند بشظايا الزجاج ويشار إلى أنه رغم الفاشل فى إحداث خسائر مادية وبشرية من قبل الإرهابيون لكنها أحدثت صدى واسع عبر أنحاء العالم نظرًا للاهتمام الإعلامى الكبير الذى تلقها منافسات دورى أبطال أوروبا فى المعتاد.
قبل انطلاق كأس العالم فى روسيا يضع الملايين حول العالم أيديهم على قلوبهم خوفا من نجاح تنظيم داعش فى إحداث أى خسائر بالحدث العالمى والأهم فى عالم كرة القدم والذى تنتظره البلدان المختلفة كل أربعة أعوام إلا أن الجانب الروسى يؤكد دائمًا أنه على استعداد تام لتأمين المونديال ومروره بشكل لائق وأمن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة