فى ذكرى انتصارات العاشر من رمضان لا يزال أحد أهم مواقع صمود أهالى شمال سيناء فى وجه مخططات إسرائيل لشراء الأرض وإخلائها لبناء مستعمرات صامدا، حتى أصبح "أيقونة الصمود"، الموقع هو "زاوية الجورة"، ومسجدها الشهير الذى سمى على اسم المرحوم "الشيخ خلف الخلفات"، أحد أبرز مشايخ ورموز سيناء الذين قادوا حملة رفض مخططات إسرائيل شراء الأرض والتصدى لها، ودفع ثمن موقفه سجن واحتجاز رهن الإقامة الجبرية.
الشيخ خلف
زاوية الجورة يطلق على المترددين عليها من الأهالى المقيمين فى قرية الجورة بالصامدين، لأنهم استطاعوا أثناء فترة الاحتلال الصمود أمام مخططات إجلائهم ورفضوا إغراءات مغادرة القرية، وبعد الانتصار وجلاء الاحتلال قدموا تبرعات بأرضهم لبناء منشآت حكومية، وتعمير القرية حتى أصبحت أكبر وأهم قرى الشيخ زويد، ويطلق عليها اسم "عاصمة الجنوب"، ومع ضرب سرطان الإرهاب لمناطق فى شمال سيناء ومنها منطقة الجورة، كان لأهالى المكان موقف واضح بالصمود والبقاء فى مكانهم وتحملهم مصاعب ومشقة العيش التى تتطلبها ظروف الحرب على الإرهاب من إغلاق طرق واتخاذ إجراءات تأمين استثنائية رغم صعوبتها ساهمت فى الحفاظ على حياتهم ومكانهم، وأبرزت مدى عزيمتهم فى الحفاظ على أرضهم، وعدم التخلى عنها بسهولة بحثا عن أمان فى مكان آخر.
مسجد وزاوية الجورة
مسنين عاصروا كل الأحداث القديمة والجديدة، وشباب فى مقتبل عمرهم رواد "زاوية الجورة"، أحدهم "حسن زويد"، الذى حرص على توثيق احتفالهم بشهر رمضان فى بصور التقطها توضح اجتماعهم فى عريشة بجوار مقر الزواية المجهز وفيها يفترشون الأرض محلقين حول نار الحطب، ويقوم شباب صغار على خدمة كبار السن من بينهم.
وقال حسن زويد، أنهم ورغم معاناتهم، يحرصون على تقليد متوارث جيلا بعد جيل وهو إحياء أيام وليالى رمضان واعتباره شهر عبادة، وإكرام للضيوف، وتقديم الخير للمستحقين من أهل المكان ومساعدتهم، وتعليم الأطفال قراءة القرآن الكريم وتحفيظهم.
مبنى الزاوية والمسجد
وأشار إلى أنهم يجتمعون ويتناولون طعام الإفطار مع بعضهم بعد إحضار طعام بسيط من كل منزل، وقضاء ليلة كل رمضان فى كنف المكان، ما بين الاستماع لخطب وقراءة القرآن بواقع جزء يوميا، والحرص على صلاة التراويح فى جماعة فى المسجد المجاور.
ومن جانبه، أوضح الشيخ عرفات خضر، المسئول عن زاوية الشيخ خلف بالجورة، أنها تأسست فى أوائل عام 1956 بعددا من عروش النخل ومئذنة من 4 أعمدة من أعمدة شجر وبيت شعر فى فصل الشتاء، ثم أقيم مبنى من الطوب اللبن على مساحة 6000 متر، وفى عام 1965 تم تجديد مبنى زاوية الشيخ خلف بالجورة ، وشهدت الزاوية تجديد بالكامل فى عام 2011.
الجورة
وأشار الشيخ عرفات، إلى أن زاوية الشيخ خلف بالجورة تعد مركزا رئيسيا للزوايا ومنارة للعلم ومركز إشعاع دينى وفكرى ووطنى ولجميع أفراد المجتمع وحل مشاكلهم وإرجاع الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ورد المظالم إلى المظلومين، وقد تجلى ذلك بوضوح أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء بعد حرب 1967.
وكشف الشيخ عرفات خضر، أن اسم الشيخ خلف الذى تحمله اسمه الزاوية، هو رمز دينى ووطنى وقيادة قبلية فى سيناء، لافتا إلى أنه قام بتأليف كتاب يوضح سيرته، التى أبرز محطاتها الوطنية، تصديه بحزم لمحاولات المخابرات الإسرائيلية أثناء فترة الإحتلال تقديم إغراءات مالية لشراء الأرض من الأهالى وتوثيقها كأملاك ليهود ودولة إسرائيل المزعومة، وفى رابع يوم لانتصارات اكتوبر وفى شهر رمضان، والأهالى حول الشيخ يجلسون فى الزواية فوجئ الجميع باقتحام الجيش الإسرائيلى للمكان والقبض على الشيخ تحت تهديد السلاح.
مئذنة المسجد
وكانت المفاجئة التى تنتظره فى أروقة التحقيق هى تقديم عرض له أن يوافق على إخلاء المنطقة ويساعدهم فى إقناع الأهالى بذلك، مقابل بناء قرية متكاملة لهم تتوفر فيها كل الإمكانيات، تصمم وتشيد وفق طريقتهم ومعيشتهم البدوية، وكان رده عليهم واضحا بقوله أن حقهم فى أرضهم لا يقبل تفاوضا وأنهم قد لا يستطيعون مقاتلة إسرائيل ولكنهم سيموتون دون أرضهم، وتم تمديد فترة الحبس أكثر من 6 شهور أعقبها الإفراج عنه مع وضعه تحت إقامة جبرية.
وأضاف أن تفاصيل مقاومة الشيخ خلف أحلام اسرائيل الاستعمارية ، بدأت مبكرا منذ شبابه حيث انضم لصفوف المقاومين لوجودها أثناء تكوين لبناتها الأولى على أرض فلسطين، وعند اقترابها من أرض سيناء كان الموقف أشد وضوحا ولا يقبل تردد، ومن مقولاته التى يحفظها أتباعه ويطبقونها فى كل وقت هى "أن هذه الأرض أرضكم أرض الآباء والأجداد وقد عدنا إليها بقوة السلاح فلا تفريط فيها" فى إشارة لما بذل من تضحيات قدمها جنود مصر فى سبيل استردادها.
أطفال يتعلمون القرأن داخل المسجد
وأشار الشيخ عرفات، إلى أن مقاومة الأعزل المدنى للاحتلال تحتاج قوة عزيمة وسعة أفق وكان من بين أساليب المقاومة والصمود أن وجه الشيخ الأهالى باستبدال عششهم من التى يسكنوها بمنازل أسمنتية حتى تكون ركائز لهم وساعدهم على ذلك، لافتا إلى أن التاريخ سجل فى هذا السياق أنه فى 2 سبتمبر 1973 عقدت القيادات الإسرائيلية اجتماعا مع قيادات المنطقة القبلية وأخبرتهم بسرعة إخلاء منطقة الجورة وما حولها إلى ما بعد قرية الخروبة غربا إلى العوجة حفير جنوبا وإلى الحدود الدولية شرقا وإلى أبو طويلة شمالا تلك المساحة التى تقدر بحوالى 1450 كم مربعا وتقطنها خمس قبائل.
الشيخ عرفات خضر
وكان مواجهة هذا المخطط بسرعة توعية رموز القبائل لخطورته، وعلى الفور عقد الشيخ خلف لقاء مع مشايخ القبائل أخبرهم خلاله أن يثبتوا وألا يخبروا الأهالى بهذا الأمر حتى لا يثير فزعهم ومخاوفهم ، وردت اسرائيل على ذلك بدهاء شديد تمثل فى ارسال قيادة عسكرية وهو الحاكم العسكرى للمنطقة فى وقتها ويدعى "إسحاق سيجاف"، الذى قدم إليه فى مجلسه ولكنه رفض مقابلته، ورد الشيخ بدهاء اكثر، أنه توجه بنفسه لمقر الحاكم وأبلغه رأى أهالى سيناء أبناء القبائل فى تلك المنطقة وهو رفضهم القرار الإسرائيلى، وقال للحكام فى وقتها مقولة معروفة "لن نرحل، هذه أرضنا إما أن نحيا على ظهرها أو ندفن فى باطنها".
وتابع الشيخ عرفات خضر قائلًا: الشيخ خلف توفى فى 2 سبتمبر فى عام 2009، بعدما شاهد نتاج صموده على أرضه، ومجددا قاد حتى وفاته مسيرة التعمير على أرض الجورة حتى أصبحت قرية عامرة بكافة مقومات الحياة، هذه المقومات كان أتباعه وتلاميذه ومن رباهم حريصين ألا تزول وضربوا لذلك مثلا فى صمودهم على أرضهم حتى اليوم.
جانب من أهل المكان
أحد الأهالى
جانب من المكان بعد تطويره
الأهالى أمام الزاوية
فى انتظار الإفطار
شباب يخدمون الكبار
كل الأجيال
قرية الجورة
أحد الأهالى
تحت العريشة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة