«القودة» «تقليد صعيدى معروف فى قضايا الثأر، حيث يعترف الجانى بجريمته ويذهب حاملاً كفنه على يده طالباً العفو، ويكون لصاحب الدم هنا الخيار بين العفو وذبح الخروف أو يذبح حامل الكفن آخذاً بالثأر».
ونحن هنا أمام دعوات متفرقة ومتواصلة من الجماعة الإرهابية بالمصالحة، سواء عبر إسطنبول التركية، التى تعد أكثر مدن العالم استضافة للجماعات والتنظيمات الجهادية والتكفيرية، والتى تحتضن قيادات جماعة الإخوان التى صدر ضدهم أحكام قضائية بعضها بالإعدام، وأيضًا قيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، بالإضافة إلى مرور عناصر التكفيريين المنضمين لتنظيم داعش فى سوريا والعراق من خلالها، حيث أصبحت مدينة إسطنبول هى قبلة الإرهابيين والتكفيريين.
لكن لدينا أسئلة لا بد من الإجابة عليها أولاً: هل الدولة المصرية لم تستطع توصيل معلومة «أنها النهاية ولا رجعة لكم» لهذه الجماعة؟ أم أن المعلومة وصلت لكن الجماعة تختبر عزم الدولة وقوتها.. أم أن جلدها سميك وغبية وكعادتها لا تفهم؟
فى البداية، لا بد أن أقول إن الدولة المصرية حتى الآن تتعامل بالقانون مع جماعة إرهابية وغير قانونية وهذا سبب تأخرها فى حسم الحرب معها.
وقبل أن أزعجك عزيزى القارئ، لا بد أن أقول لك: إن حديث المصالحة مع جماعة الإخوان غير دستورى ومخالف لنص المادة 237 من الدستور التى تلزم الدولة بأن تكافح الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وتتبع مصادر تمويله وتجففها، وتعتبر الإرهاب يمثل خطراً وتهديداً على أمن وسلامة البلد والشعب، وبالتالى أى كلام من أى سياسى عن طرح فكرة المصالحة مع الإخوان التى صدر بحقها حكم قضائى بأنها جماعة إرهابية، وأيضا مدرجة طبقا لقانون 8 على قوائم الإرهاب، يدعو لأمر غير دستورى، خاصة أنه بعد صدور قانون الإرهاب والكيانات الإرهابية وتصديق الرئيس على قانون تنظيم التحفظ والحصر والمصادرة والتصرف فى أموال الجماعات الإرهابية، وذكر ذلك صراحة فى مذكرة القانون جماعة الإخوان وتمويل الإخوان، كل هذا ينسف دعوات المصالحة من أساسها.
أما من الناحية الشعبية، فبدون مبالغة أستطيع أن أقول: إنه بشكل قطعى الآن جميع الشعب بكل فئاته وأبنائه ضد جماعة الإخوان ولدينا رفض شعبى، بالإضافة إلى بُعد أخلاقى يمنع المصالحة مع جماعة ملطخة يدها بدماء الشعب وتسببت فى فقدان أكثر من عائلة لأولادها، ومن يدعو للمصالحة يدعو لإهدار دماء الشهداء وهذا يعد جريمة فى حق الشعب والشهداء، ومع ذلك بين الحين والآخر، تظهر دعوات لإجراء مصالحة مع الإخوان، ورغم رفضها بشدة من الجهات الشعبية قبل الحكومية، تتكرر الدعوة فى ثوب جديد مرة خارجياً ومرات داخلياً، مثلاً مؤخراً طل علينا «كمال الهلباوى» القيادى المنشق عن جماعة الإخوان، حيث دعا إلى ضرورة السعى من أجل مصالحة وطنية شاملة فى مصر، ودعوات المصالحة تلك جعلت الثعابين تخرج من جحورها، فجاء الظهور الأول لعماد عبدالغفور، مساعد الرئيس المعزول محمد مرسى، ورئيس حزب الوطن السلفى، منذ عزل مرسى فى 3 يوليو 2013، الذى دعا فيه إلى ما أسماه «المصالحة الوطنية» أو «الوفاق الوطنى» ليطرح عدة تساؤلات حول مساعى الإخوان لإعلان الاستسلام، خاصة أن دعوة «عبدالغفور» جاءت بعد أيام قليلة من تصريحات أمين التنظيم الدولى لجماعة الإخوان التى دعا فيها ما أسماه «حكماء العالم» بأن يطرحوا شروط المصالحة.
ولكى تعلمون أن كل شىء مدبر وممنهج تطرق «عبدالغفور» فى حديثه إلى دعوة عصام حجى إلى ما أسماه بـ«الفريق الرئاسى»، قائلاً: «الحديث بأننا فى عام 2018 سنستيقظ نجد الماء أصبح لبناً أمرا غير صحيح، فسياسة المهدى المنتظر سياسة خاطئة، ولا بد أن يسعى الشعب ويدرس تجارب الأمم السابقة» وهذا داخلياً. ومن الخارج كشف راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة ـ الذراع التونسية للإخوان فى حوار لصحيفة الخبر الجزائريةـ أنه طلب من السعودية التوسط لدى مصر لمصالحة مع جماعة الإخوان، خلال لقاء جمعه بالأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، حيث طلب منه الوساطة لتهدئة الأجواء، فضلاً عن وجود خطة إخوانية تم عرضها على «أردوغان» وهى تقرب الحكومة التركية إلى نظيرتها المصرية فى الفترة القادمة لتكون إحدى وسائل عرض أو المساهمة فى طرح فكرة المصالحة.
بالطبع هناك محاولات مستميتة من الجماعة لحل الأزمة التاريخية التى تمر بها الآن، بعدما فقدت الأمل تماماً فى أى تغيير على مستوى المشهد المصرى، خاصة بعدما أيقن التنظيم الإخوانى قوة الدولة المصرية.
وفكرة المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، أمر شعبى بحت لا يستطيع رئيس ولا مؤسسة ولا جهة أن تتحدث عن مصالحة، لأن مسألة المصالحة فى يد الشعب المصرى، لأن الإخوان عاثوا فى الأرض فساداً وقتلوا الشعب المصرى، أى أن ما أصبح بيننا وبين الإخوان بحور من الدماء بعدما قتلوا الأبرياء هنا وهناك وتعاملوا بمنطق إما أن نحكم مصر أو نحرقها، فأصبح الحظر الشعبى أقوى بكثير من أى قانون أو تشريع، خاصة أن الخلاف مع الإخوان ليس سياسيا، وإنما وطنى فى الأساس، ونحن أمام جماعة غير مؤمنة بفكرة الوطن ومصر وترفع علم الجماعة فوق علم مصر، فيما أصبحت جملة «التصالح مع الإخوان» بالونة يطلقها البعض لخطف الأضواء، دون مراعاة لمشاعر من سالت دماء أبنائهم من أجل الوطن، ودعوات يسعى أصحابها «رغم علمهم بأنها مرفوضة قبل أن تطرح» ليكونوا مثاراً للجدل والدخول من خلالها إلى دوائر لفت الأنظار أمثال البرادعى وعماد الدين أديب وغيرهما.
وأخيراً أنا ابن مصر نزلت فى 30 يونيو و3 يوليو أقول للدولة المصرية بكل مؤسساتها: «لا للتصالح مع هؤلاء القتلة إلا بشرط واحد عودة كل الشهداء إخوتى «شهداء الجيش والشرطة والمدنيين» الذين فقدوا أرواحهم جراء قنابل الإرهاب فى كل ربوع مصر».
ومع كل هذا مَن سيعتذر لمَن؟.. مَن سيخرج للشعب المصرى ويقول لهم لقد قتلنا أبناءكم دون وجه حق؟.. مَن سيطلب العفو والسماح من الآخر؟.. مَن سيقدم «القودة» لمن؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة