جميعنا يبحث دوما عن الوسيلة الأسرع والأيسر والأسهل لكى تتناسب مع وتيرة الحياة اليومية التى كادت أن تخلو من الصبر، فلم يعد بمقدورنا أن نجلس بالساعات لكى نتابع مسلسل واحد نصف مدته تقريبا إعلانات مكررة شاهدناها عشرات المرات، ولهذا كان "اليوتيوب" ذلك العملاق الإلكترونى هو الأذكى والأكثر جذبا لكل هؤلاء المتململين وفاقدى القدرة على احتمال السخافة الإعلانية غير المحدودة.
منذ يومين سألت أحد البائعين الذى كان صوت ضحكته يعلو مع كل كلمة تخرج من هاتفه المحمول الذى يشاهد فيه إحدى حلقات مسلسلة المفضل، قائلة له: "لماذا تشاهد المسلسل على اليوتيوب؟، فكانت إجابته بسيطة وعفوية ومعبرة "اهو احسن من الإعلانات وقرفها"، هذه إذن هى الثقافة المجتمعية الأكثر نموا حاليا بين المواطنين ولا علاقة لها بطبقة اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية بقدر أنها ثقافة يحكمها عامل واحد فقط وهى التخلص من حالة المط والتطويل الذى نعانيه أمام شاشات التليفزيون.
يكفى أن تدخل على الصفحة الرئيسية لموقع اليوتيوب لتعرف حجم المشاهدات التى تصل إلى الملايين على جميع المسلسلات سواء كنت تتابعها أم لا، ولهذا كان صراع شركات الاتصالات لتقديم عروضها على باقات الإنترنت للمشاهدين وتعتمد فى تسويقها هذا على جملة واحدة وهى "احسن باقة لمشاهدة مسلسلات رمضان بدون إعلانات"، لأنها تعرف جيدا حجم تأثير هذه الجملة ووقعها على قلب وعقل اى مشاهد.
وكرد فعل - أراه طبيعى - من القنوات الفضائية للتحايل على هذا الأمر، لجأت بعض القنوات إلى وضع لوجو اعلانى أو اعلان ثابت مع بداية كل حلقة اثناء عرضها على يوتيوب فى محاولة منها لترويج اعلاناتها ولكن ايضا ليس بنفس القدر المربك والمؤذى الذى تهاجمنا به اعلاناتها على شاشات التليفزيون.
اليوتيوب هو الرابح الأكبر من السباق الرمضانى، سيربح القنوات الفضائية وايضا سيربح غيره من مواقع الإنترنت الشهيرة كـ"فيس بوك " لسحبه ملايين المشاهدين والمستخدمين إلى صفه.
وإذا لم تكن واحدا ممن يلجئون إلى يوتيوب هربا من عبء الإعلانات، فعلى الأقل ستجد على نطاق أسرتك ومعارفك وأصدقائك واحدا من الزبائن الدائمين لهذه النافذة الإلكترونية والسبب أن مساحة الاختيار والتنقل بداخلها أفضل بكثير من الجلوس أمام قناة مجبر أن تشاهد فيها مالا يستهويك، فالحلقة الواحدة لن تتعدى عليه النصف ساعة فى المتوسط.
جميعنا يخسر بسبب غياب الضوابط على مدة وعدد الإعلانات المذاعة، المشاهد يخسر لأنه يضطر إلى شراء باقات إنترنت لمشاهدة ما يريد ويخسر أيضا لأنه لم يعد أفراد الأسرة الواحدة يتجمعون حول مسلسل واحد لمشاهدته، كما كان يحدث قديما، وأصبح لكل منهم عالم على موقع الفيديوهات الأشهر، والقنوات الفضائية أيضا ستخسر مستقبلا إذا استمرت على نفس سياستها الإعلانية.
كل ما نحتاجه الآن هو أن تضع الهيئة الوطنية للإعلام ضوابط وقواعد خاصة تنظم عالم الإعلانات، قواعد تحافظ على حق هذه القنوات فى تحقيق مكاسبها المادية وفى الوقت نفسه تحافظ على حق المواطن فى الاستمتاع بما يشاهده، ومن ضمن هذه القواعد مثلا هو تحديد عدد معين من الإعلانات لكل مسلسل وألا يتجاوز الإعلان مدة معينة لأن أغلب الإعلانات أصبحت أطول مما نطيق صبرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة