لا شىء ثابت فى قصتها، فالتاريخ احتار فيها وأبلغنا عنها روايات مختلفة ومتناقضة، إلا من أربع حقائق ثابتة لم يختلف عليها أحد، الأولى أنها أميرة بيزنطية اسمها سالومى وهى ابنه الملك فيلبس هيرودس والملكة هيروديا، والثانية أن والدتها هى منبع الشرور وأصل السم، والحقيقة الثالثة أن سالومى كانت فاتنة، ليس فى عصرها من يضاهيها جمالا وحسنا وأنوثة أما الحقيقة الرابعة أن رقصتها للملك هيرودس الثانى زوج أمها والمعروفة تاريخيا برقصة السبع أوشحة هى التى تسببت فى مقتل سيدنا يحيى عليه السلام.
بدأت حكاية سالومى بأمها الملكة هيروديا وانتهت بها أيضا، فتقول الروايات إن هيروديا كانت متزوجة من فيليب ملك منطقة الجليل بالقدس، وأنجبت منه سالومى، وعندما رأت أخاه هيرودس وقعت فى حبه وهو أيضا، فهجرت زوجها ووالد ابنتها وعاشت مع أخيه هيرودس، وفى هذا الوقت كان سيدنا يحيى عليه السلام يبشر بقدوم المسيح إلى البشرية، وخلال تبشيره علم حكاية هيروديا، فانتفض وأخذ يجرم ما فعلته الملكة وهيرودس، وقال إنهما يعيشان فى الزنا والحرام، وإن حاكم الجليل فاسد وزانٍ، وإن حكمه يجب أن ينتهى لأنه سيغرق البلاد فى الظلم والفساد، وهو الحديث الذى انتشر بين الناس ووصل إلى الملك وزوجته، فطلبت الزوجة الفاسدة قتل يحيى، وهو الأمر الذى خاف منه هيرودس فهو يعلم أن يحيى نبى حق، وأن له أتباعه وأنه إن قتله سوف يثور عليه الشعب، فوجد الملك الحل فى قتل أخيه وسجن يحيى.
حتى هذه النقطة لم يختلف المؤرخون فى تفاصيل القصة إلا قليلا لكنها تفاصيل لا تؤثر فى مسار القصة، أما فيما يتعلق بالأميرة سالومى فتعددت الأحكام عليها وفقا للروايات، فهناك من جسدها على أنها شيطان فاسد، كانت على علم منذ البداية بما فعلته والدتها لكنها لم تعبأ، فهى فاسدة مثلها تريد مملكة أوسع تضاعفت بمقتل والدها وضم مملكته على مملكة أخيه، وحياة فى بلاط أوسع بعدد أكبر من الخدم، وقوة أكبر وحكم أعظم، وغضبت مثل والدتها تماما لما يقوله النبى يحيى أو يوحنا المعمدان، وخافت على مملكتها من الزوال إن استجاب الشعب لكلام يحيى واعتبروا حكم هيرودس وهيروديا باطلا وثاروا ضده، وهنا طلبت منها والدتها أن ترقص للملك، وهو الأمر الذى لم يكن شائعا وقتها وكان معروفا أن من ترقص للملك تصبح من ممتلكاته، وكانت الأم تعلم أن الملك يحب ابنتها ويتمناها، واستجابت لها سالومى ورقصت للملك يوم ميلاده رقصتها الشهيرة «السبعة أوشحة»، وذكر التاريخ أنها قامت بانتزاع وشاح وراء الآخر من على جسدها على تعرت تماما أمام الملك، ووعدها الملك بتنفيذ ما تطلب فطلبت رأس يحيى ففزع الملك، لكنه لم يستطع رفض الطلب، حيث وعدها أمام الناس بتنفيذ ما تطلب أيا كان، وجاء له الحرس برأس يحيى على طبق يقول البعض إنه صنع من ذهب وبعضهم يقول إنه صنع من فضة.
الرواية الثانية تقول إن سالومى كانت على علم بما فعلته والدتها وراضية تماما عنه حتى سجن يحيى فسمعت حديثه من وراء الجدران، وانتبهت له وفتنها صوته، فطلبت الدخول إليه فى الزنزانه ووقعت فى غرامه فور رؤيته، فهو رجل مفتول العضلات وقوى البنيان بالإضافة لجمال وجهه وروحه الصادقة وهو النموذج التى لم تقابله سالومى، أضف إلى ذلك أن كل رجل يراها يقع فى غرامها إلا يحيى الذى أعرض عنها وطلب منه مغادرة الزنزانه وعدم زيارته مرة أخرى، لكن سالومى لم تكف وتحولت رغبتها فى يحيى لحب حقيقى وعرضت عليه نفسها لكنه كسائر الأنبياء تعفف وأعرض عنها، فدفعها رفضه للجنون وهددته إن لم يستجب فسيموت، فلم يتغير موقف يحيى، وخرجت والغضب يملأ قلبها فقررت الرقص للملك ليقدم لها رأس يحيى انتقاما، وتم فصل رقبة النبى يحيى ويقال إنه عندما شاهدت سالومى رأس يحيى انهارت واحتضنتها وظلت تبكى وعاشت فى الأحزان والندم طويلا.
سالومى
رواية ثالثة تقول إن سالومى لم تكن على علم بصنع والدتها، وإنها كانت تعيش فى روما بعيدا عن الجليل منذ طفولتها، وأنها كانت تحب ابن أخت ملك روما الذى رفض زواجهما لأنها ليست من أصل رومانى، وأمر بنفيها وعودتها إلى الجليل، فكرهت الرومان جميعا وعند وصولها الجليل وقبل دخولها قصر والدتها وزوجها التقت يحيى فى البرية وشاهدت التفاف الناس حوله ولفت نظرها أنه يدعو لمقاومة الرومان وظلمهم، وعندما دخلت القصر رأت بعينها كراهية أمها ليحيى فدفعها الفضول إلى الخروج فى السوق لمعرفة أسباب هذه الكراهية وخرجت خلسة بملابس العامة وسمعت تحريض يحيى على والدتها وزوجها، وهنا انتفضت للرد عليه فهجم عليها الناس لكن يحيى طلب منهم الهدوء وألا يحملوها بذنب أمها، ورجعت إلى القصر وطلبت من والدتها الهرب معها إلى أى مكان خوفا عليها من تأثير كلام يحيى على الناس، فرفضت الأم وقالت إنها تحافظ على عرشها وبالطبع لم تصدق سالومى ما سمعته عن أمها وظنت أن يحيى مخطئ، ولم تستوعب كونها طرفا فى مقتل أبيها، وبدافع الخوف على والدتها طلبت من قائد الجيش الرومانى الذى وقع فى غرامها وظلت ترفضه أن يأمر بسجن يحيى حتى تعيش أمها فى أمان وهو الأمر الذى اعتذر عنه حتى مقابل حبها، لأنه يعلم أن يحيى على حق، لكن فى الوقت ذاته أمر الملك هيرودس بالقبض على يحيى ومحاكمته على ما يقول ويدعو إليه، وكان على أمل بأن يخضع يحيى له فحدث العكس، واتهم يحيى الملك أمام الجميع فلم يكن أمام الأخير خيار سوى حبس يحيى، لكنه لم يكن ينوى قتله لأنه على يقين بأنه نبى الله وأن اللعنة ستسكن جسده، إن قام بإيذاء يحيى، فسجنه حتى لا يستمع إليه أحد وفى الوقت نفسه لن يؤذيه.
هنا فكرت الأم فى حيلة تجعل الملك زوجها يقبل دعوتها لقتل يحيى ففكرت فى ابنتها وجمالها وعشق الملك ورغبته فيها، فطلبت من سالومى الرقص للملك فى يوم عيد ميلاده، وهو الأمر الذى جعل سالومى تصدق أن أمها أصل الشر وأن ما يقوله يحيى صدق، فكيف تطلب الأم من الابنة الرقص لزوجها الملك وهى تعلم أن الرقص له يعنى أنها أصبحت من مملتكاته؟! فردت الأم أن الأهم هو الحفاظ على العرش والملك، هنا خافت سالومى وطلبت من قائد الجيوش الهرب بها، فقال يجب أن نخرج يحيى من السجن أولا وحاولا تهريبه وهنا فكرت سالومى فى الرقص للملك مقابل الإعفاء عن يحيى وخروجه من السجن لأنها رأت فيه السلام الذى لم تشهده فى حياتها، وجسد لها الخير بعد أن أحاطتها الشرور طوال حياتها، وبالفعل رقصت للملك، وعلم أن أمها هى من طلبت منها ذلك فأمر بنصف ثروته للملكة، لكنها رفضت وطلبت هيروديا رأس يحيى واستجاب الملك وبالفعل قتلوا النبى وجاءوا برأسه على الطبق الذهبى قبل هروبه من السجن، وعندما شاهدت سالومى رأس يحيى ظلت تصرخ، وكرهت أمها وهجرت حياة القصر، واعتزلت كل هذا، واتبعت عيسى والدين المسيحى طالبة الغفران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة