قال تعالى فى سورة البقرة فى الجزء الثانى الآية 152 "فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ" ونستعرض معا خمس تفسيرات مختلفة للآية:
تفسير ابن كثير
قال مجاهد فى قوله: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم) يقول: كما فعلت فاذكرونى.
قال عبد الله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم: أن موسى، عليه السلام، قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرنى ولا تنسانى، فإذا ذكرتنى فقد شكرتنى، وإذا نسيتنى فقد كفرتنى.
وقال الحسن البصرى، وأبو العالية، والسدى، والربيع بن أنس، إن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره ويعذب من كفره .
وقال بعض السلف فى قوله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته) [ آل عمران: 102 ] قال: هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر .
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصيدلانى، حدثنا مكحول الأزدى قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس، وشارب الخمر والسارق والزانى يذكر الله، وقد قال الله تعالى: (فاذكرونى أذكركم) ؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته، حتى يسكت .
وقال الحسن البصرى فى قوله: (فاذكرونى أذكركم) قال: اذكرونى، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسى.
وعن سعيد بن جبير: اذكرونى بطاعتى أذكركم بمغفرتى، وفى رواية: برحمتى.
وعن ابن عباس فى قوله (فاذكرونى أذكركم) قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
وفى الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه".
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إن ذكرتنى فى نفسك ذكرتك فى نفسى، وإن ذكرتنى فى ملأ، ذكرتك فى ملأ من الملائكة أو قال: [ فى ] ملأ خير منهم، وإن دنوت منى شبرا دنوت منك ذراعا، وإن دنوت منى ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتنى تمشى أتيتك أهرول" صحيح الإسناد: أخرجه البخارى من حديث قتادة. وعنده قال قتادة: الله أقرب بالرحمة .
وقوله تعالى: (واشكروا لى ولا تكفرون ) أمر الله تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد) [ إبراهيم: 7 ] .
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس حدثنا أبو رجاء العطاردى، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه " وقال روح مرة: "على عبده".
تفسير القرطبى
قوله تعالى: فاذكرونى أذكركم أمر وجوابه، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم. وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له. وسمى الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبى، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللسانى صار هو السابق للفهم.
ومعنى الآية: اذكرونى بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير. وقال أيضا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم: من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسى الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير، ذكره أبو عبد الله محمد بن خويز منداد فى "أحكام القرآن" له. وقال أبو عثمان النهدى: إنى لأعلم الساعة التى يذكرنا الله فيها، قيل له: ومن أين تعلمها؟ قال يقول الله عز وجل: فاذكرونى أذكركم، وقال السدى: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب، وسئل أبو عثمان فقيل له: نذكر الله ولا نجد فى قلوبنا حلاوة؟ فقال: احمدوا الله تعالى على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته، وقال ذو النون المصرى رحمه الله: من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسى فى جنب ذكره كل شىء، حفظ الله عليه كل شىء، وكان له عوضا من كل شىء. وقال معاذ بن جبل رضى الله عنه: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. والأحاديث فى فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الأئمة.
تفسير البغوى
قال ابن عباس: "اذكرونى بطاعتى، أذكركم بمغفرتى"، وقال سعيد بن جبير: "اذكرونى فى النعمة والرخاء، أذكركم فى الشدة والبلاء"، بيانه "فلولا أنه كان من المسبحين * للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون" [144-الصافات].
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحى أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمى أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمر بن حفص أخبرنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح عن أبى هريرة قال قال: النبى صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه، وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتانى يمشى أتيته هرولة".
أخبرنا الإمام أبو على الحسين بن محمد القاضى وثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبى توبة الكشميهنى قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان أخبرنا أبو عبد الملك الدمشقى أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن أخبرنا منذر بن زياد عن صخر بن جويرية عن الحسن عن أنس قال: إنى سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أناملى هذه العشر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم إن ذكرتنى فى نفسك ذكرتك فى نفسى، وإن ذكرتنى فى ملأ ذكرتك فى ملأ خير منهم، وإن دنوت منى شبراً دنوت منك ذراعاً، وإن دنوت منى ذراعاً دنوت منك باعاً، وإن مشيت إلى هرولت إليك، وإن هرولت إلى سعيت إليك، وإن سألتنى أعطيتك، وإن لم تسألنى غضبت عليك".
تفسير الجلالين
"فاذكرونى" بالصلاة والتسبيح ونحوه "أذكركم" قيل معناه أجازيكم وفى الحديث عن الله (من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير من ملئه) "واشكروا لى" نعمتى بالطاعة "ولا تكفرون" بالمعصية.
تفسير الشيخ الشعراوى
قوله تعالى: "فاذكرونى" أى كل هذه النعم والفضل عليكم يجب ألا تنسوها.. أن تعيشوا دائما فى ذكر من أنعم عليكم، فالله سبحانه وتعالى يريد من عباده الذكر وهم كلما ذكروه سبحانه وشكروه شكرهم وزادهم.. والله سبحانه وتعالى يقول فى حديث قدسى: (أنا عند حسن ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه، وإن تقرب إلى بشبر تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتانى يمشى أتيته هرولة).
هذه هى رغبة الكريم فى أن يعطى بشرط أن نكون أهلا للعطاء لأنه يريد أن يعطيك أكثر وأكثر.. فقوله تعالى: (اذكرونى) أى اذكروا الله فى كل شىء، فى نعمه، فى عطائه، فى ستره، فى رحمته، فى توبته.
وشكر الله يذهب الغرور عن نفسك فلا تفتنك الأسباب وتقول أوتيته على علم منى، "وَلاَ تَكْفُرُونِ" أى لا تستروا نعم الله بل اجعلوها دائما على ألسنتكم، فإن كل نعمة من نعم الله لو استقبلت بقولك (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) لا ترى فى النعمة مكروها أبدا لأنك حصنت النعمة بسياج المنعم.. أعطيت لله حقه فى نعمته فإن لم تفعل وتركتها كأنها منك وأنت موجدها ونسيت المنعم وهو الله سبحانه وتعالى فإن النعمة تتركك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة