مع الساعات الأولى لحلول شهر رمضان المبارك وقعت تونس فى جدل كبير حول المجاهرة بالإفطار فى نهار الشهر الكريم، وذلك بعدما اتخذت وزارة الداخلية قرارا بغلق المقاهى والبارات فى نهار رمضان، قرار الداخلية أثار غضب عدد من فئات المجتمع التونسى الذى أعتبر أن تطبيق القرار يعد انتهاكا للحريات العامة ففى الوقت الذى يعتبر فيه الإسلام دين الدولة إلا أن هناك ديانات آخرى تعيش فى نفس الوطن، ليتحول الجدل بين الإسلامية والعلمانية وهوية الدولة.
ويعود قرار وزارة الداخلية إلى "منشور مزالى" ـ نسبة إلى رئيس الحكومة السابق محمد مزالى ـ الذى أصدر عام 1981 هذا القرار ويقضى بإغلاق المقاهى خلال شهر رمضان، حيث أكدت الوزارة أن السماح بفتحها قد يتسبب باستفزاز مشاعر المسلمين، وربما تستغله الجماعات المتطرفة للتحريض ضد الدولة أو ارتكاب أعمال إرهابية.
وأشارت الداخلية، إلى أنها تسعى إلى الموازنة بين مهامها المتعلقة بحفظ الأمن وواجبها فى حماية حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، فضلا عن احترام مشاعر المسلمين ومقدساتهم "أسوة بالإجراءات المتخذة فى عدد من البلدان الأوروبية الرائدة فى مجال الحقوق والحريات".
قرار وزارة الداخلية أثار غضب شرائح عديدة فى المجتمع التونسى حيث طالب "المجلس التونسى للعلمانية" بفتح المطاعم والمقاهى والحانات والبارات، بصفة طبيعية خلال شهر رمضان، معربًا عن رفضه لقرار وزارة الداخلية بغلق المقاهى فى نهار الشهر الكريم، ودعا إلى ''عدم الاعتماد على الفصل 226 من المجلة الجزائية لإيقاف المفطرين ومحاكمتهم بتهمة الإخلال بالأمن العام والتجاهر عمدا بالفحش والذى يعد مسا بالحريات الفردية".
وأعرب المجلس التونسى للعلمانية عن استغرابه من حديث وزير الداخلية لطفى براهم حول "المس من مشاعر المسلمين"، مشدّدا على أنّ 'القوانين موضوعة لحماية الأفراد وليس حماية مشاعرهم، وأنّ مجال تدخل الدولة يبقى عند التهديد الجدى لحرية الأفراد الآخرين".
ومساندة للتيار الرافض لقرار الداخلية وجه الائتلاف المدنى من أجل الحُريات الفردية والمكون من 31 منظمة مدنية رسالة إلى الرؤساء الثلاثة الرئاسة والحكومة والبرلمان إلى "إبطال المنشورات التي تتعارض بشكل صارخ مع أحكام التشريع الأعلى للدولة، كما عبّر عن قلقه من "طريقة تعامل السلطات مع ملف الحريات الفردية".
ووصلت حالة الجدل الى أروقة البرلمان التونسى، حيث أدانت البرلمانية هاجر بالشيخ أحمد قرار وزارة الداخلية، وقالت إن الإسلام ليس دينا لكل التونسيين، وأشارت إلى أن الدولة راعية للدين داخل دور العبادة فقط وليس فى الشارع والمقاهى، مطالبة السلطات التونسية بفتح المقاهى خلال شهر رمضان المبارك.
المقاهى فى تونس
وقالت بالشيخ أحمد، فى تصريح إذاعى: "عندما نقول إن الإسلام دين الدولة، فهذا لا يعنى أن الإسلام دين كل التونسيين"، مشيرة إلى أن "الدستور يتضمن بابا كاملا للحقوق والحريات، والتضييق عليها لا يتم إلا بنص قانوني".
كما اعتبرت البرلمانية، أن الدولة راعية للدين فى المساجد وداخل أماكن العبادة وليس فى الشارع والمقاهى، مضيفة أن الاقتصار على فتح المقاهى السياحية فى شهر رمضان فيه عدم مساواة بين أصحاب المقاهى.
ومن البرلمان إلى الجدل الدينى حيث قال الداعية بشير بن حسن طالب، إن من يطالب بفتح المقاهى "شياطين الأنس"، وقال: "تونس دينها الإسلام ولغتها العربية، لا أحد يطلب منكم الصوم (بالإكراه) فمن عمل صالحا لنفسه ومن أساء فعليها، ترغب بانتهاك حرمة رمضان فهذا شأنك، لكن أن تعلن ذلك فى مجتمع مسلم لم تعارف على التجاهر بالفطر فى رمضان منذ أن دخل الإسلام إلى تونس – حتى فى عهد بورقيبة وبن على – فهذا غير مقبول".
برلمانية تدافع عن مطالب العلمانية
وتابع بن حسن: "ترغبون بانتهاك شهر رمضان بكل تلقائية، هذا منكر عظيم يجب إنكاره بالوسائل السلمية والقانونية، أشد على يد وزير الداخلية الذى أكد على ضرورة إغلاق المقاهى والمطاعم في شهر رمضان إلا مقاهى ومطاعم الطرق والمطارات. (وهذا ضرورى) حسما لمادة الشر والنزاع ومحافظة على السلم الاجتماعى وحرمة شهر رمضان وقدسيته، واحتراما لمشاعر أكثر التونسيين الذين يلتزمون بالصيام".
ومع تمسك وزارة الداخلية بقرارها تصاعد الأمر الى حد دعوة بعض المواطنين وناشطى المجتمع المدنى التونسيين إلى تظاهرة أمام وزارة السياحة يوم 27 مايو للتنديد بإغلاق المقاهى والمطالبة بـ"التكريس الكامل لحرية الدين والضمير المنصوص عليها في المادة 6 من الدستور"، وطالب التجمع، الذى أطلق هاشتاج على تويتر باسم "مش_بالسيف" وجمع أكثر من 2500 توقيعاً حتى الآن، بضمان حق غير المتدينين فى تناول الطعام والشراب علانية خلال شهر الصيام لدى المسلمين بالإضافة إلى إقامة دولة علمانية فى تونس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة