لروسيا موقع خاص فى قلب كل مصرى، ففى عام 56 عرف المصريون الاتحاد السوفيتى من خلال إنذاره للقوة الغاشمة التى أغارت على مصر فى عدوانها الثلاثى.
المصريون يحبون من يقدّرهم ويقف بجوارهم فى الأزمات، وكانت أزمة السد العالى وتمويله إضافة للمزيد من حب المصريين للروس، وعرفنا من خلال التعامل والتعاون معهم طريق الصناعات الثقيلة ومصر «تعرف فى الأصول» ولا تنكر جميلاً من أحد مهما طال الزمن.
وكالعادة تفسد السياسة بعض الحب فى إبان اتجاه مصر غربًا وكان له ظروفه الملحة وقتها، واستمر الفتور فى العلاقة حتى ثورة 30 يونيو ووقوف الروس بقيادة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع الثورة المصرية ضد الفاشيست الدينى.
ارتفع سقف الحب بين مصر وروسيا، كما أدى لارتفاع فى مستوى العلاقات العسكرية والتجارية التى وصلت لـ10 مليارات دولار «المخطط لها الوصول لـ25 مليار دولار» وغيرها من علاقات التعاون والمحبة بين الشعبين، فضلاً عن حب الروس للسياحة فى مصر وحتى شائبة منع قدوم الروس للسياحة فى مصر لم تمنعهم من القدوم لمصر، وكانوا يأتون إلى شواطئها رغم الحظر الذى كان علامة استفهام للمصريين الذين يحبون الشعب الروسى.
كانت من بين علامات قوة العلاقة بين البلدين المشاورات المصرية الروسية، فى إطار صيغة 2+2 بين وزيرى دفاع وخارجية البلدين، والتى تعقد على نحو منتظم وحتى الآن من مباحثات بين وزير الخارجية سامح شكرى ونظيره الروسى سيرجى لافروف، تتناول سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، استناداً إلى الطفرة التى شهدتها العلاقات بين البلدين فى أعقاب الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى مصر فى ديسمبر 2017، والتى شهدت التوقيع على عقود إنشاء محطة الضبعة النووية، وما تلى ذلك من استئناف الطيران المباشر بين البلدين فى أبريل 2018.
مصر وروسيا لديهما مواقف متقاربة فى القضايا الإقليمية والأزمات فى كل من سوريا وليبيا واليمن والاتفاق النووى الإيرانى والمواقف المصرية والروسية إزاءها، فضلاً عن كيفية تطوير أطر التعاون والتنسيق بين البلدين فى مجال مكافحة الإرهاب.
إذن فالحوار الاستراتيجى بين مصر وروسيا بصيغة 2+2 قد تم تفعيله عام 2013، لتصبح مصر الدولة السادسة التى ترتبط معها روسيا بمثل هذا الإطار المهم من المباحثات الاستراتيجية على مستوى وزيري الخارجية والدفاع بعد الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وهو ما يعكس العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين.
هذا، وقد عقد الجانبان ثلاثة اجتماعات فى إطار هذه الصيغة، الأول بالقاهرة فى نوفمبر 2013، والثانى بموسكو فى فبراير 2014 والثالث بالقاهرة فى مايو 2017.
غير أن إحدى شوائب العلاقات، مؤخراً، كان استطلاع رأى حول «حلايب وشلاتين» المصرية ورغم أن إدارة موقع «روسيا اليوم» الإخبارى حذفت استطلاعها هذا، واعتذرت عن الاستطلاع وما تسبب فيه من اعتراضات، مؤكدة أنها لم تشكك فى وحدة الأراضى المصرية، إلا أن هذا الاستطلاع لم تنته توابعه بعد، فلابد للحكومة الروسية معرفة أيديولوجيات العاملين بمكتبها بالقاهرة، وهم بالتأكيد كادوا يتسببون فى وجود مشكلة مع الجانب الروسى من ناحية والجانب السودانى من ناحية أخرى.
أيضاً أظهر الاستطلاع إيجابية التعامل مع الحدث من مؤسسات الدولة مثل الخارجية التى تواصلت مع الجانب الروسى للإعراب عن استنكارها الشديد للاستطلاع الذى قامت به القناة التابعة للحكومة الروسية حول حلايب، وطلبت تفسيرًا عاجلاً لهذا الإجراء المرفوض. وأيضًا رد فعل سامح شكرى وزير الخارجية الذى قرر إلغاء حوار كان مقررًا أن يجريه مع قناة «روسيا اليوم» صباح أول أمس السبت بمناسبة انعقاد اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع بين مصر وروسيا (صيغة 2+2) فى موسكو اليوم الاثنين، وذلك على خلفية الاستطلاع المشار إليه.
أيضاً الهيئة العامة للاستعلامات التى سارعت إلى إصدار بيان رسمى شديد اللهجة تعلن فيه عن أسفها وإدانتها الشديدين لقيام موقع «روسيا اليوم» بنشر استطلاع للرأى لمتصفحيه حول تبعية مثلث حلايب المصرى.
نعم حذف موقع «روسيا اليوم» الاستطلاع الذى أشعل مشاعر الغضب لدى جموع الشعب المصرى فى خروج صارخ عن التقاليد الإعلامية المهنية واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، فما حدث كان «سقطة» مهنية جسيمة لا تعبر عن عدم وضوح الرؤية للقائمين على هذا العمل بل توجه سياسى، وخلط فاضح بين العمل المهنى، والتدخل فى شؤون الدول الأخرى، وبالتالى هذا العمل ليس له علاقة بحرية الرأى أو التعبير أو العمل المهنى، وإنما يمثل تدخلاً سافراً فى الشؤون الداخلية المصرية، ويسهم فى زعزعة العلاقات المتينة والمستقرة مع دولة السودان الشقيقة، التى يكن لها الشعب المصرى كل التقدير والاحترام.
فمن فكر فى هذا العمل كانت النية الخبيثة من ذلك الأمر لديه هدفها الوقيعة بين مصر وروسيا وإشعال الفتنة بين الشعبين المصرى والسودانى.
أعتقد أن الحكومة الروسية سوف تبحث الموضوع ولن تترك عاملاً فى القناة يعمل لحساب توجهاته السياسية على حساب التوجهات المهنية، كما أعلم أن الشعب الروسى محب لمصر وشعبها ولن يقبل بالإساءة لنا ولدولة شقيقة عبر موقع تابع له، خاصة أن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعى بدأ الدخول فى المساحات الرمادية لإشعال أزمة من لا شىء وتعرفون ويعرف الجميع مَن له مصلحة فى إشعال أزمة بين مصر والسودان وروسيا فى هذا التوقيت تحديدًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة