محمد شومان

أخلاقية الحرب

السبت، 12 مايو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد ينطوى هذا العنوان على قدر كبير من التناقض، إذ كيف يمكن الحديث عن الحرب والأخلاق، فالحرب فى كل الأديان والشرائع والمواثيق الدولية فعل مدان، وسلوك غير مرغوب فيه، حتى لو فرضته ظروف قهرية. ولاشك أن الدفاع عن الوطن هو أحد أهم الحالات القهرية التى تفرض الحرب، وفى هذه الحالة تبقى للأخلاق مساحة ووظائف وأدوار متعددة تتعلق باحترام حقوق الأسرى، والأديان الأماكن المقدسة، وتجنيب المدنيين أهوال الحرب.
 
والشاهد أن الحرب الأمريكية على العراق، ثم الحروب الأهلية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، قد افتقرت بامتياز إلى الأسس والنوازع الأخلاقية، سواء فيما يتعلق بالأسباب أو النتائج المتوقعة، فضلاً عما جرى فى ساحات القتال من معارك. والمفارقة أن هذا الحكم ينطبق على كل الأطراف، أى لا أخلاقية الحرب هى مسؤولية كل الأطراف المتحاربة. فى هذا الإطار قد يحتج البعض على أساس أن هناك طرفا فى كل حرب قد بادر بتصعيد الأزمة، ورفض كل محاولات التسوية، كما لم يستمع لصوت العقل، واستخدم القوة التى أدت إلى وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين.
 
بعض الأطراف اعتمدت على استراتيجيات دفاعية قد تكون مناسبة لمواجهة عدو متفوق عسكريًا وتكنولوجيًا، بل ربما تكون الخيار العسكرى الوحيد المتاح، لكن تكلفتها على حياة المدنيين وعلى البنية الأساسية هائلة، وقد أتيح للنظام السورى وللحوثيين فى اليمن بدائل عربية ودولية للتوصل إلى حلول سلمية وتسويات، لكن التدخل الإيرانى أحيانًا وتدخل بعض الأطراف العربية والدولية، حال دون انتهاء هذه الحروب المأسوية، التى يدفع ثمنها إخواننا فى العروبة من المدنيين، الذين اضطر الملايين منهم للهجرة فى بلاد الدنيا.
 
لا أخلاقية الحرب هنا تبرز فى إدعاء أمور غير حقيقية، ولم يثبت صحتها، كالربط بين العراق والإرهاب، والإصرار الأمريكى أيام بوش الابن على أن العراق لديه أسلحة دمار شامل، وأنها تهدد الأمن العالمى وأمن الولايات المتحدة، وكذلك رفع شعارات بناء نظام ديمقراطى فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، من دون أن توجد أصلا مقومات بناء الدولة أو الديمقراطية فى تلك الدول، أيضا يرفع الجميع شعارات الحرب على الإرهاب بينما هناك أطراف تمول وتدعم تنظيمات إسلاموية متطرفة فى ليبيا وسوريا، أما عن اليمن فحدث ولا حرج عن شعارات الحوثيين الدعائية عن الحرب دفاعا عن التراب الوطنى والحرب ضد أمريكا وإسرائيل، بينما الحقائق على الأرض، تؤكد أن الهدف هو طائفى بامتياز وأن شعب ومقدرات اليمن تستنزف يوميا بسبب مغامرات الحوثيين وأطماعهم فى الهيمنة والسيطرة على اليمن وتهديد السعودية وابتزازها ماليا وسياسيا لصالح إيران والحوثيين.
 
درس التاريخ يؤكد أنه لا أخلاقية الوسائل تؤدى دائما إلى نتائج كارثية، كما يؤكد أن الحرب تهدم وتقتل ولا تبنى أو تغرس قيم الديمقراطية، فعلت ذلك الولايات المتحدة فى الفلبين وكوريا وفيتنام وجرينادا وأفغانستان، ثم مارسته فى العراق بقوه نيران هائلة وغير مسبوقة فى تاريخ الحروب، وبدون رؤية واضحة لمستقبل العراق أو كيفية إعادة بنائه، وانتقل العنف والدمار على مستوى أقل ولكن لعدة سنوات إلى سوريا واليمن وليبيا والعراق.
 
واستمر الخلط التعمد بين الغزو والاستعمار والثورة والفوضى وتحرير الشعوب ونشر الديمقراطية، يقابله على الجانب العراقى والسورى والحوثى خلط وتداخل غير أخلاقى بين الدفاع عن الوطن والطائفية واستمرار أنظمة قمعية ودموية كالنظام السورى، من هنا فإن الإشكالية التى طرحت نفسها بعد ثورات الربيع العربى وما تزال مطروحة هى هل نقاوم الغزو الأجنبى ونترك النظام القمعى، أم نثور على النظام لصالح الغزو الأجنبى، ولصالح تفتيت الدولة وهدم مقوماتها، وبالتالى نكون قد استبدلنا نظاما قمعيا باستعمار أجنبى، أو الدولة بالفوضى، علما بأن وضعية الفوضى، كما هو حاصل فى ليبيا واليمن وسوريا تؤدى إلى معاناة الملايين وتمدد القوى الاستعمارية وإسرائيل فى المنطقة العربية.
 
ولاشك أن ما يجرى من مواجهات بين إيران وسوريا على الأراضى السورية، وما قد يجرى من مواجهات أمريكية روسية تركية فى سوريا يقدم صورة واضحة لما أقصده، كما أن عودة بعض مظاهر التطبيع العربى - الإسرائيلى، إضافة إلى اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل يؤكد بالدليل القاطع أن لا أخلاقية الحرب وإضعاف الدول العربية والفوضى التى تعانى منها بعض الدول العربية سمحت لإسرائيل وإيران ولأول مرة فى التاريخ الحديث بتوسيع نفوذهما وتحقيق أهداف كانت تبدو مستحيلة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة