تجاوزت الأزمة مع قطر عتبة الـ300 يوم، وستكمل فى خمسة يونيو عامها الأول دون أن يلوح فى الأفق حل ما، فالدوحة ما تزال على موقفها الداعم للإخوان والإرهاب، وترفض الموافقة على مطالب الدول الأربع، التى أعتقد أنها تصب فى صالح الشعب القطرى وفى صالح شعوب المنطقة التى ترفض الإرهاب والخطابات الدعائية للجزيرة وأخواتها.
وتبدو الأزمة مع قطر فى نظر البعض وكأنها حدثا استثنائيا غير مألوف، لكن حقائق التاريخ وعلاقات قطر بجيرانها فى الخليج منذ عام 1996 تؤكد حدوث أزمات عديدة ونمط شبه تكرارى من الخلافات حول أداء الجزيرة وتدخلها فى الشؤون الداخلية للدول العربية، والأهم دعم الدوحة لجماعات إرهابية وتدخلها فى قضايا عربية ودولية لا تخصها، وإنما كانت تحاول من خلال هذا التدخل تعظيم مكانتها ودورها.
ولكن أى دور خارجى لابد أن يحترم مصالح الدول الأخرى، وأن يعبر عن حقائق التاريخ والجغرافيا، وفى مقدمتها أنه من الصعب لدولة محدودة المساحة وتعانى من قلة عدد سكانها أن تلعب أدوارا كبيرة فى الإقليم أو على الصعيد الدولى، وأتذكر هنا مع الفارق محاولات القذافى الفاشلة أن يلعب أدوارا إقليمية ودولية أكبر من حجم وتاريخ ليبيا وإمكانياتها البشرية والجغرافية، وأنا هنا لا أقلل من تقديرى أو احترامى للشعبين القطرى والليبى، وإنما أناقش حقائق جيوسياسية وتاريخية تتعلق بأن دور ومكانة أى دولة يرتبط بالجغرافيا والسكان والتاريخ، بغض النظر عن القدرات المالية التى مهما كانت كبيره فإنه لا يمكن الاعتماد عليها فقط فى لعب أدوار خارجية.
على أى حال فإن الأزمة مع قطر لن تشهد انفراجة قريبة فى ظل تعنت الموقف القطرى وتعثر الوساطة الكويتية، وتعدد الأطراف الإقليميين والدوليين الذين تدخلوا فى الأزمة، وأصبح من مصلحتهم جميعا إطالة أمد الأزمة، لذلك يمكن توقع ست سيناريوهات حول مستقبل الأزمة مع قطر هى:-
أولا: سيناريو تجميد الأزمة وإطالة أمدها: يفترض هذا السيناريو أن إطراف الأزمة لن يغيروا مواقفهم أو يقدموا تنازلات، كما لا يمكنهم اللجوء إلى خيار عسكرى محدود أو شامل نتيجة قيود دولية وإقليمية وأخلاقية، وبالتالى قد تتجمد الأزمة ويتعايش الجميع معها، وفى ظل هذا السيناريو تستمر إيران وتركيا وبعض القوى الدولية فى استغلال أطراف الأزمة وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، علاوة على بيع الأسلحة والحصول على تسهيلات وقواعد عسكرية.
والحقيقة أن عامل الوقت يلعب دورا مهما فى الأزمة الحالية، لأنه ليس من مصلحة الدول العربية إطالة أمد الأزمة، خاصة قطر التى تعد أكثر الأطراف تضررا ومعاناة على كل الأصعدة، ومع ذلك فإنها تحاول كسب الوقت وربما تجميد الأزمة لتحقيق مكاسب داخلية أو للرهان على تغير ما فى مواقف الدول الرباعية العربية.
ثانيا: سيناريو استجابة قطر لمطالب الرباعية العربية: يفترض هذا السيناريو تعديلا فى مدركات النظام القطرى، ومن ثم إدخال تعديلات حقيقية فى سلوكه السياسى وتحالفاته مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة، تؤدى إلى قبول قطر بكل أو معظم مطالب الرباعية، وكذلك موافقتها على وجود آلية خليجية لمراقبة مراحل تنفيذ اتفاق المصالحة، ويضمن هذا السيناريو مصالح كل الأطراف وبخاصة الشعب القطرى الذى تستنزف موارده المالية والمعنوية فى دعم جماعات إرهابية، وفى الدخول فى صراعات ومغامرات لا تحقق المصالح الوطنية لقطر، ولا تحافظ على علاقاتها التاريخية الأخوية مع دول الخليج ومصر.
ثالثا: سيناريو تسخين الأزمة: يقوم هذا السيناريو على فرضية استمرار رفض قطر لمطالب الرباعية العربية، واستمرار محاولاتها الدبلوماسية والدعائية لكسب الوقت وإطالة أمد الأزمة وربما تجميدها، وفى الوقت نفسه العمل على التأثير فى دوائر صناعة القرار فى أوروبا والولايات المتحدة لصالح الضغط على دول الرباعية لتعديل موقفها، ويؤدى هذا السيناريو إلى استمرار التوتر فى المنطقة، وحدوث تصعيد محسوب بين أطراف الأزمة، لا يصل إلى حد الصدام المسلح، لكنه قد يأخذ شكل ارتفاع حدة المعارك الإعلامية وتبادل الاتهامات بين أطراف الأزمة، إضافة إلى احتمال طرد قطر من مجلس التعاون الخليجى، وربما قيام الرباعية بنقل ملف تورط قطر فى دعم الإرهاب إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار باعتبارها دولة راعية للإرهاب، وبالتالى فرض عقوبات عليها من بينها تجميد الاستثمارات القطرية فى الخارج، أو استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة سياسات قطر كدولة داعمة للإرهاب، فى المقابل قد تستخدم قطر ورقتى الغاز والعمالة المصرية للضغط على دول التحالف الأربعة.
رابعا : سيناريو ضعف وانهيار نظام الحكم فى قطر: يقوم هذا السيناريو على أساس أن استمرار ضغوط دول الرباعية العربية سيؤدى إلى ظهور مشكلات اقتصادية وسياسية داخل قطر، تشجع بعض الأطراف داخل قطر سواء من داخل الأسرة الحاكمة أو من خارجها على التحرك لتغيير النظام الحالى.
خامسا: سيناريو التصعيد العسكرى بين أطراف الأزمة: يمكن القول بوجود احتمالات ضعيفة لتورط أطراف الأزمة فى اشتباكات محدودة أو حرب شاملة، ويفترض هذا السيناريو ضعف قدرة أطراف الأزمة على احتواء أشكال التوتر والتصعيد بينها، وتدخل فى اشتباكات عسكرية أو حرب شاملة، تبدو كلها فى غير صالح قطر، وفى غير صالح المنطقة لأنها ستسمح بمزيد من التدخلات الإقليمية والدولية.
سادسا: السيناريو المختلط: يفترض هذا السيناريو انتهاء الأزمة الحالية خلال العام الحالى أو القادم، من خلال الاعتماد على خليط من السيناريوهات الخمس السابقة، كأن يحدث تغيير داخلى فى قطر أو أن يعدل النظام القطرى الحالى من مواقفه، ويسلم بمنطقية مطالب الرباعية العربية، خوفا من ضغوط عسكرية أو أطماع إيرانية أو تركية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة