دخل الاتفاق النووى مرحلة السخونة السياسية اليوم الجمعة بعد أن شهدت خطبة الجمعة بالعاصمة الإيرانية طهران حدثا نادرا، لا يتكرر كثيرا، إذ اعتلى قائد كبير بالجيش الإيرانى منبر الجمعة وخطب فى المصلين ليحثهم ضمنيا على الاستعداد لمرحلة ما بعد خروج أمريكا من الاتفاق النووى وعودة العقوبات على البلاد التى توصلت إلى الاتفاق (خطة العمل الشاملة المشتركة) مع العالم فى الرابع عشر من يوليو بالعام 2015.
ترامب
وسط هذا الحدث تعالت أصوات أمريكية محسوبة على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تحذر أمريكا من الخروج من الاتفاق، معتقدة أن خروج واشنطن يعنى حتميا عزلها وليس عزل طهران، وهو رأى نادى به خبير الأمن القومى الأمريكى البارز السفير دينيس روس.
شطرنج الاتفاق
يبدو التوتر الحالى بين إيران وأمريكا أشبه بلعبة الشطرنج التى لا يمكن فيها الفوز من الضربة الأولى، ولا يمكن "كش الملك" وإنهاء اللعبة إلا بعدة حركات تترتب على حركات ونقلات المنافس، وهذا ما يجرى بالحرف الواحد تحت السطح المشتعل بين طهران وواشنطن والذى تزيده التهابا قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
دينيس روس
ففى الأيام الأخيرة فعل ترامب كل ما فى وسعه لإجبار إيران على تقديم تنازلات حول الاتفاق النووى، إذ أقال وزير الخارجية ريكس تلريسون الذى كان يود إبقاء بلاده فى الاتفاق، وعين بدلا منه، مايك بومبيو، مدير الوكالة المركزية للاستخبارات (CIA) وزيرا للخارجية، وعين المتشددة جينا هاسبل مديرة للوكالة، وعين الصقر الشهير، جون بولتون، مستشاراً للأمن القومى.
فى إيران فُهمت تلك "الحركات" الأمريكية على رقعة شطرنج العلاقات بأنها خطوات تمهد للانسحاب من الاتفاق فى الموعد المقرر إطاره الزمنى بيوم 12 مايو المقبل، لذلك قامت إيران بـ"حركات" ردا منها على "الحركات" الأمريكية، منا ما تم اليوم الجمعة فى الخطبة الأسبوعية ذات الدلالات السياسية.
"حركات" إيرانية
تجاوبت إيران وفقا لقواعد اللعبة مع أمريكا وردت بطريقتها الخاصة، وفى واحدة من الظواهر النادرة التى لا تتكرر كثيرا، صعد قائد رفيع المستوى بالجيش الإيرانى، وهو مساعد قائد الجيش الإيرانى لشؤون التنسيق الأدميرال، حبيب الله سيارى، اليوم الجمعة على منبر جمعة طهران وألقى خطبة حث فيها الإيرانيين على التأهب لكل الاحتمالات فى الفترة المقبلة.
حبيب الله سيارى
وتأتى كلمة حبيب الله سيارى فى الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال القائد العسكرى الإيرانى على صياد شيرازى الذى تتهم السلطات جماعة مجاهدى خلق بتصفيته أمام منزله فى العاصمة طهران يوم 10 إبريل من العام 1999، وهى كلمة ذات دلالة لا تخطئها عين؛ إذ يعتبر الإيرانيون صياد شيرازى رمزا للمقاومة.
وأكد سيارى من فوق منبر الجمعة أن بلاده لن تستأذن أحدا بشأن تحديث قدراتها الدفاعية، لافتاً إلى أنه سيتم تطوير المنظومة الدفاعية للبلاد اعتمادا على القدرات المحلية، فى إشارة إلى الصراع المحتدم بين واشنطن وطهران بخصوص وقف التجارب الصاروخية الباليستية.
ولفت مساعد قائد الجيش الإيرانى لشؤون التنسيق، فى كلمته قبل خطبتى صلاة الجمعة بطهران، إلى أن أوضاع البلاد فى الوقت الحاضر جيدة ورائعة للغاية، موضحاً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتل مكانة رفيعة على المستوى العالمى ولا تستطيع أية قوة أن تتجاهل دورها فى اتخاذ القرارات ذات الطابع العالمى، وذلك بحسب ما أوردت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء.
وتشير كلمات سيارى إلى أن إيران عازمة على المضى قدما فى عدم الاستجابة إلى المطالبات الغربية بالجلوس مجددا على طاولة المفاوضات وبحث وقف التجارب الصاروخية الباليستية ووقف مد الانقلاب الحوثى بالصواريخ وعدم الانخراط فى النزاعات المسلحة بالإقليم.
إيران باقية فى الاتفاق
ضمن "حركاتها" الأخيرة المرتبة ردا على "حركات" ترامب تحدث أكثر من مسؤول من مسؤولى الوسط عن أن إيران باقية فى الاتفاق حتى لو خرجت أمريكا منه، وهو ما أكده اليوم وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذى شدد على أن الاتفاق النووى اتفاق دولى متعدد الأطراف والولايات المتحدة طرف فيه، وهى دولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن رعت القرار الذى صدر بالصفقة النووية وتم تبنّيه بالإجماع من طرف مجلس الأمن.
جواد ظريف
وأضاف ظريف فى تصريحات صحفية ردا على سؤال حول ما إذا كان بإمكان الاتفاق النووى أن يصمد إذا اتخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قرارا بالتحلُّل منه؟ أن الاتفاق يعد معاهدة دولية سارية المفعول، لكن اتفاقا دوليا سارى المفعول لا يعنى بالضرورة أن كل أطرافه سلتزم به، وللولايات المتحدة سجل قياسى من حالات عدم الالتزام باتفاقاتها الدولية.
وضرب ظريف مثالا على ذلك برفض أمريكا اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية، مؤكدا أن ما يحدث الآن هو أن الولايات المتحدة إذا انساقت وراء رغبة الرئيس ترامب، فستقدم الدليل على أنها شريك لا يُعتمد عليه فى إبرام اتفاقات دولية.
وأوضح قوله: "الآن وبينما يبحث الناس عن اتفاقات مماثلة مع دول أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة ستوجه رسالة مفادها أن مدّة صلاحية اتفاق ما هى فى أحسن الأحول، مدة الولاية الرئاسية".
وعليه يمكن القول إن كل "قطعة" ينقلها ترامب، تقابل بـ"قطعة" أخرى ينقلها خامنئى الذى يراهن على الموقف الأوروبى الذى لن يسمح بالامتثال إلى ترامب والخروج من الاتفاق النووى، والجميع فى انتظار "النقلة" الأخيرة يوم 12 مايو لرؤية حركة "موت الشاه".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة