لوالدتى دعوات كثيرة تدعوها لى، لكن هناك دعوة علقت فى ذهنى وكانت دائمًا ترددها وتدعو بها ربها «يا رب يا ولدى.. اللى وراك ما يحصلك ولا اللى قدامك يسبقك أبدًا»، وأعتقد أن دعوة كهذه من والدة محمد صلاح استجاب لها الله سبحانه وتعالى أو من إحدى أمهات المصريات الطيبات.
«صلاح» بار بأهله، فنراه على الشاشات العالمية فخورًا بهم «لم يتنصل منهم ككثيرين ممن يصلون لمستوى معين أول ما يفعلونه يتبرأون من أهلهم».. فقد قال فى إحدى مقابلاته التليفزيونية، إنه كان يلعب «الكرة الشراب» فى شوارع قريته، وأنه ينتمى لأسرة بسيطة، هذا البر بالوالدين والأهل جعله قدوة لشباب قريته، كما أنه حريص جدًا على الاحتفاظ دائمًا بصلات قوية مع أهالى قريته «نجريج»، التى ولد وتربى فيها، وهو لا يقصّر فى عمل الخير لها، من أول تبرعه لصندوق «تحيا مصر» وتبرعه بانتظام لأهالى قريته ودفع تكاليف إنشاء مجمع رياضى وملعب حديث دائم الاستخدام فى كل الظروف الجوية، حتى يُمكّن نجوم المستقبل فى قريته من إظهار مهاراتهم فى كرة القدم، ما جعله يستحق أن يطلق المسؤولون اسمه على شارع ومدرسة فى مدينته بسيون، بمحافظة الغربية وسط دلتا مصر، التى أغدق عليها بالتبرعات من أجل شبابها وشيوخها وكل ذى حاجة قضاها «صلاح» له، حتى أصبح محمد صلاح موضة فانوس رمضان هذا العام.
هادئ وبسيط جدًا ولم يغتر كلاعب كرة قدم عالمى، وبالكاد يظهر مع وسائل الإعلام فى مصر أو فى الخارج، وها هو أصبح يمثل الأمل فـ«صلاح» عندما تعثر قبل مشواره الاحترافى كان عمره 14 عامًا وقتها، كان يسافر من بلدته إلى القاهرة أربع ساعات بـ«الميكروباص»، وكان يركب خمس مواصلات أحيانًا، ليتدرب مع ناديه «المقاولون العرب» ثم يقطع نفس الرحلة للعودة ولم ييأس، رغم المصاعب التى كان يواجهها، ولا ننسى أن مهاراته كانت تؤهله للعب للكبيرين الأهلى أو الزمالك، لكنه فضل الاستمرار مع المقاولون حتى جاءته فرصة الاحتراف، وهو ما منحه الفرصة ليحصل على حب جمهور الناديين، ويكون جماهيريته الكروية فى مصر قبل الاحتراف، وهو ما يجعله مؤهلًا لقيادة حملات تخدم المجتمع المصرى والعربى والإفريقى فى مواجهة التطرف والإرهاب وخطر الإدمان والمخدرات على الشباب، فـ«صلاح» متدين بلا تطرف كتدين المصريين عمومًا فى وسطيتهم، لذا كان «صلاح» هو أبرز اللاعبين العرب والأفارقة المؤهل لذلك، لأنه قدوة حقيقية للشباب وليس له أيديولوجيات سياسية معينة.
استقرار «صلاح» فى إنجلترا مع زوجته وابنته الصغيرة «مكة»، جعله يركز فى كرة القدم، والتزامه أكد على سمو أخلاقه، مما زاد من حب الإنجليز له، كما أنه يقدر حياته الجديدة فى أنفيلد مع الابتعاد عن الأضواء خارج الملعب والابتعاد عن تسويق نفسه، وهى آفة اللاعبين المصريين التى كانت لا تستطيع إقناع المدربين فى عالم الاحتراف الذى لا يعرف سوى العطاء داخل المستطيل الأخضر، فلابد من دراسة نجاح احتراف «صلاح» والاستفادة منها أيضًا فى دراسة فشل الآخرين ليتعلم منها الجيل الواعد فى كرة القدم المصرية ليخوض تجربته بنجاح، «صلاح» أصبح بالفعل بطلًا قوميًا فى مصر ويعد إحدى قوتها الناعمة فى الخارج، ولابد من الاستفادة من نجوميته وحب الجمهور الأوروبى له فى الدعاية لمصر سياحيًا.
النجم المصرى محمد صلاح حفر اسمه فى كتب الأرقام القياسية لنادى ليفربول الإنجليزى، وأصبح بمهاراته الكروية وحبه لكرة القدم فقط وتواضعه اللا محدود وحبه لأهل بلده، مثالًا يحتذى به فى عالم كرة القدم العالمية وأصبح مثالًا يحتذى به من شباب مصر والعالم «مع أنه لم يضع صورة غزة أو غيرها على صدره ليدخل عالم النشطاء والسياسة»، مما جعل الجماهير تغنى أغنيته الشهيرة «مو صلاح» ويرددها الشباب فى الملاعب والأطفال فى المنازل.
وكان لـ«صلاح» «25 عاما» تأثير مذهل على صورة مصر فى إنجلترا خاصة، وأوروبا فى العموم، بعدما أصبح نجم فريق ليفربول وبعدها نجم الدورى الإنجليزى ليتربع على عرش الكرة الإنجليزية متوجا كملك لها، رغم انتقاله من روما الإيطالى مقابل 43.3 مليون جنية استرلينى، لكن هذا النجم المتواضع، معشوق الجماهير فى مصر، أظهر تصميمًا وعزمًا على أن يصبح نجمًا فوق العادة وبدون مزايدات سياسية أو دينية، وارتبط اسمه بالكد والاجتهاد فسافر من مصر وكان يحتاج لمترجم فى تعاملاته والآن يتحدث أكثر من لغة فى فترة زمنية قصيرة.
ونعود لقيادته المنتخب المصرى إلى نهائيات كأس العالم فى روسيا بعد غياب 28 عامًا لنرى غيرته على بلده ومنتخبه التى وضحت بعدما وضع فريق الكونغو هدف التعادل فى مرمانا، وكيف سقط صلاح باكيًا وضرب بيده على الأرض، لكنه سرعان ما فاق ووقف على قدميه وأعلن التحدى وجاءت ضربة الجزاء ليحرز هدف الفوز على الكونغو فى الإسكندرية والصعود لكأس العالم، ليعطى مثالًا حيًا للشباب فى الأمل والطموح مهما واجه من عثرات فى طريقه، وهو ما جعل الرئيس عبدالفتاح السيسى يقابله، بل وأخيرًا يكتب له «بوست» رئاسى على الفيس بوك «أتقدم بالتهنئة لابن مصر محمد صلاح على ما حققه من إنجاز يدعو إلى الفخر ويؤكد على قدرات المصريين المُبهرة فى كل المجالات.. فخور به وبكل مصرى يرفع اسم مصر عاليًا».
تألق صلاح وتواضعه الذى جعله معشوق الإنجليز وتصميمه على ألا ينسى جذوره أبدًا جعلت منه شخصية رمزية «أيقونة» ومصدرًا للفخر الوطنى فى مصر وفى العالم العربى، بل كان سببًا فى تصدر مصر لأخبار إيجابية لم تكن موجودة، فكسر الصورة السلبية، التى تصدرت الشاشات الغربية والممولة من دول بعينها ضد إرادة الشعب المصرى، متصدرًا أغلفة المجلات والصفحات الأولى فى الصحف، بل وموقع الاتحاد الدولى لكرة القدم بعد تتويجه بأفضل لاعب فى إنجلترا.
ألا تروا كيف يتجمع الشباب العربى كله على مباريات «صلاح» بعدما كانت تجمعه أغانى أم كلثوم، فكان صلاح «الأيقونة»، التى يتجمع عليها العرب مرة أخرى، لأنه أصبح صانع الفرحة وسفير السعادة والأمل عند الشباب، ليرفع من سقف طموحاتنا فى كل شىء بداية من كأس العالم وصولًا للشباب الذى أصبح يريد أن يحترف مثله، وهو الباب الذى فتحه «صلاح» بعد أن كان موصدًا، بل وقد يصبح السبب فى زيادة الدخل المصرى من احتراف اللاعبين المصريين بالخارج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة