عباس شومان

الدراما والذوق العام!

الخميس، 26 أبريل 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يختلف الناس حول الأعمال الفنية وخاصة المتعلقة منها بالتمثيل والغناء، فتجد أن منهم مَن يرفضها جملةً، ومنهم مَن يطلق العنان لقبولها دون قيد أو شرط بذريعة أن الفن ينبغى أن يتمتع بحرية فى التعبير، وأن الإبداع ينبغى ألَّا يقيد بقيود.
 
وكلا المسلكين من وجهة نظرى غير قويم، فإطلاق العنان لقبول الفن بكل صوره وأشكاله- حتى إن تجاوز الذوق العام واخترق الخطوط الحمراء فى تقاليد المجتمع وأعراف الناس بل فى الدين كذلك بدعوى حرية الإبداع – لا تقره الأعراف السليمة، ولا تقبله الفِطر السوية، ناهيك عن رفض الأديان له، كما أن رفض الفن جملةً يعد مغالاة تخالف الراسخ عقلًا وتنافى الثابت دينًا، وهذا ما أكدته وثيقة الأزهر للحريات الصادرة عام 2012م، فالفن يمكن أن يقدم منافع عظيمة تفيد جميع فئات المجتمع بمختلف شرائحهم العمرية، وذلك عندما تهدف الأعمال الفنية إلى التنفير من القبح والشذوذ فكريًّا وسلوكيًّا، والترغيب فى الفضائل والقيم، ونشر الوعى بين أفراد المجتمع، وتسليط الضوء على المشكلات التى يعانى منها بهدف تقديم الحلول الناجعة لها.
 
ومعلوم لدى الجميع أنه ما من مجتمع إلا وقد تستهوى الأعمال الفنية–باختلاف أنواعها- أغلب أفراده، إذ يجدون فيها متنفسًا لهمومهم اليومية وتخفيفًا لضغوط الحياة وأعبائها، كما أنها فرصة يلتقى فيها أفراد الأسرة كبيرها وصغيرها لمتابعة عمل فنى يشد انتباههم، وكم من أعمال فنية جادة كنا وما زلنا نتابعها مع أنها صُنعت فى مرحلة زمنية سابقة يسميها الناس الآن «زمن الفن الجميل» مقارنةً بما هو الغالب فى هذا الزمان؛ حيث الابتذال والانحطاط، وسطوة أعمال العنف السلوكى والانحلال الأخلاقى، والعجيب أن موسم هذا الإسفاف يكون فى شهر رمضان المعظم ثم يتكرر عرضه طوال العام!
 
لذلك، فإنه ينبغى على صناع الأعمال الفنية–وبخاصة المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية–أن يحرصوا على ما يتقبله الذوق العام من موضوعات ومشاهد لا تتضمن إسفافًا فى الألفاظ أو كشفًا للعورات، فمهمة الفن هى العمل على الرقى بالذوق العام، وتسليط الضوء على النماذج المشرفة والجوانب المضيئة فى المجتمع، وتناول القضايا والمشكلات المجتمعية، بهدف العمل على انتشار الجانب النافع الجيد ومحاولة علاج وتقويم الجانب الضار القبيح وتقديم الحلول له، وذلك من خلال استعانة مؤلف القصة أو كاتب السيناريو بالخبراء فى المجال الذى تقع فى دائرته المشكلة أو الظاهرة التى سيتناولها فى عمله الفنى، لأن ذلك أدعى لوصف الدواء الفكرى الصحيح الذى لا يشفى عضوًا ويمرض آخر، فتناول مشكلة كتعاطى المخدرات وإدمانها فى عمل فنى يلزم له الاستعانة بآراء متخصصين فى علم الاجتماع وعلم النفس وكذا أطباء ماهرين فى علاج التعاطى والإدمان، وغيرهم من المعنيين، فإن تكاملت هذه الأطراف وتعاونت على معالجة هذه المشكلة فنيًّا فسوف يوضَع الحل الأمثل لعلاجها وتوعية الشباب بخطرها. ومشكلة التطرف والإرهاب أيضًا من المشكلات المجتمعية المهمة–إن لم تكن أهمها وأخطرها–التى ينبغى أن تتضافر الجهود فى التوعية بمخاطرها والعمل على مجابهتها، فإذا ما تم تناولها فنيًّا فينبغى على المؤلف الاستعانة بالمفكرين وعلماء الأديان فى تحرير المصطلحات وتصحيح المفاهيم التى حرفتها الجماعات الإرهابية ودلستها على الناس لتحقيق أغراضهم الخبيثة، كما ينبغى الاستعانة بعلماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية... إلخ.
 
ويقاس على ذلك بقية المشكلات التى تتناولها الأعمال الفنية، حيث يجب أن تكون موجهة لتقويمها وتقديم الحلول لها لا مجرد الإشارة إليها بما يؤدى إلى ترسيخها وإغراء الناس بها وزيادة انتشارها كما هو الحال فى كثير من القضايا التى تتناولها الأعمال الفنية، فمعالجة التطرف مثلًا لا تكون بإظهار المتطرف وكأنه خارق للعادة فى قدراته الفكرية التى يستحوذ بها على عقول الشباب، وداهية فى تخفيه وخداعه لرجال الأمن، ولا بالشرح التفصيلى لكيفية صناعة المتفجرات وأماكن جلب المواد المستخدمة فيها، ولا بالبيان الدقيق لمراحل العمليات الإجرامية بداية من التخطيط مرورًا بتتبع الضحية وصولًا للتنفيذ، ولا بإظهار جسارة هؤلاء المجرمين فى مواجهة رجال الجيش والشرطة، فإن هذه المسالك تستهوى المراهقين ومَن فى قلوبهم مرض، وتجعل من المتطرف مثلًا أعلى لهم وتغريهم بالخروج عن التبعية المعهودة لسلطة البيت والمدرسة، بل يتعدى ذلك إلى الخروج عن سطوة القانون والدولة بكاملها. وعلاج مشكلة المخدرات لا تكون ببيان كيفية تدبير الأموال لشرائها سواء بالسرقة أو الاحتيال أو القتل الذى ربما يلجأ إليه المدمن للحصول على الأموال، ولا بشرح كيفية التعاطى إما بالأنف أو الفم أو الحقن، ولا ببيان النشوة الزائفة المترتبة على التعاطى. وإنما تكون المعالجة الصحيحة للظواهر المجتمعية المتناوَلة فنيًّا بالتركيز على بيان الأضرار الوخيمة المترتبة على الفرد والمجتمع جراء هذه الممارسات الخاطئة، وتقبيح الظاهرة التى يتناولها العمل الفنى وإظهار المستهدفين فى صورة المنبوذين الشاذين بالنسبة للأسوياء.
 
إن الفن لا ينبغى أن يكون معول هدم لقيم المجتمع ومبادئه وتماسك بنائه الأسرى ووحدة نسيجه الوطنى، ولا وسيلة تجارية لجلب الأموال أو استثمارها فى ما لا طائل منه، وإنما ينبغى أن يكون أداة إيجابية نافعة ترقى بالذوق العام وترسخ للقيم والمبادئ وتتناول المشكلات المجتمعية بمهنية ومسؤولية بغرض المعالجة الحقيقية وليس من أجل الربح المادى. ولن يقوم الفن بدوره كما ينبغى دون الاستعانة بالخبراء والمتخصصين فى الظواهر المتناولة، وعدم اعتماد المؤلفين وكتّاب السيناريو على خيالهم ووجهة نظرهم فقط، والأهم من ذلك عدم التذرع بأن هذه الصناعة تقوم على رغبات المشاهد وما يستهويه، أو التحجج بأن (الفن مرآة الواقع)، لأنه لا يعقل ولا يتصور أن تكون الأعمال الفنية التى تم إنتاجها فى السنوات الأخيرة معبرة عن حال المجتمع أو ما يمكن أن يمثل (ظاهرة) حقيقية تقتضى تناولها فنيًّا، فهل أصبح مجتمعنا يقر أو يستهويه هذا الابتذال والإسفاف اللفظى والسلوكى الذى أصبح السمة البارزة فى معظم الأعمال الفنية التى تعرض على شاشات التلفزيون الذى لا يكاد يخلو منه بيت الآن، ناهيك بالأعمال التى تُعرض فى دور العرض السينمائى؟! هل يستخدم الناس فى مجتمعنا أو يستسيغون تلك الألفاظ البذيئة أو الممارسات اللاأخلاقية التى أصبحت (عادية) فى التعامل بين الممثلين الذين أصبحوا قدوة ومثلًا أعلى للأطفال والشباب اليوم؟!
 
وعليه، فإننا فى أشد الحاجة إلى استعادة ذاك النوع من الفن الهادف المرتبط بواقع الناس حقيقةً وليس اختلاقا، الفن الدافع والمحفز على إتقان العمل وزيادة الإنتاج، وترسيخ الانتماء وحب الوطن والتضحية من أجله، الفن المحصن من التطرف والمخدرات، والمحارب للفساد والبيروقراطية، ما أحوجنا إلى الفن الذى يعزز قيم الحق والعدل والنخوة والشجاعة والإحسان، وغيرها من الصفات الجميلة التى يمتاز بها الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه والتى هى من أهم خصائص الشخصية المصرية فى كتابات المؤرخين وأحاديث الناس فى المجتمعات الأخرى، ما أحوجنا إلى تلك الأعمال التى تبين وتؤكد أن المجتمع المصرى كله نسيج واحد لا فرق فيه بين مسلم ومسيحى. وليقتدِ القائمون على هذه الصناعة اليوم بالأعمال الجادة الهادفة التى كان يتابعها ويلتف حولها كل أفراد الأسرة كبارًا وصغارًا دون ملل- وإن كان بعضها قد عُرِض فى عدة أجزاء–ودون خوف من كلمة نابية أو مشهد عرى أو عنف ينعكس على سلوكهم، وعلى الرغم من ذلك حققت صدى وتأثيرًا واسعًا فى ظل تواضع مقومات الصناعة وقتها مقارنةً بما هى عليه الآن!









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة