كأنه الأمس، عندما كنت أجلس فى كافيتريا «اليوم السابع» يوم 21 إبريل 2015 وقبل أن أبدأ فى تناول طعامى صاح أحدهم «عبدالرحمن الأبنودى مات».
على درجات السلم بين الكافيتريا وصالة التحرير، ورغم أنى اجتزتها قفزًا تقريبا، إلا أننى أدركت تماما أن أحد أهم أحلامى ضاع إلى لأبد، فقد كان حلمى الكبير عند مجيئى القاهرة أن ألتقى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، لكنه لم يكن.
تخيلت كثيرًا كيف سيكون لقائى بالأبنودى، وفيما سأحدثه وأسأله، كنت سأقول له إن قصائده هى موسيقى تصويرية حقيقية لكل ما كان يحدث فى الصعيد قبل الألفية الجديدة، كنت سأقول له إنه يمنحنى ثقة غريبة فى ذاتى وفى سحر الكلمة وقوتها، وحتما كنت سأخبره أنه بالنسبة لى من أهل الدار، فالحديث عنه وعن جديده وعن قيمته بالنسبة لى وأخوتى حديث لا ينقطع.
بعد الرحيل تحدثت مع زوجته الإعلامية الكبيرة نهال كمال وقلت لها، إن ديوان «أحمد سماعين.. سيرة إنسان» أبدع ما كتب الخال، فقالت لى ليته سمعك تقول ذلك، لأنه كان يحب هذا الديوان ويتساءل بشكل دائم «لماذا لا يتنبه الناس لديوان أحمد سماعين» لذا كنت أود أن أقول له إننى وكثيرا من جيلى خاصة الشعراء نعرف قيمة ديوان أحمد سماعين، نقرأه ونسمعه بصوتك كثيرا ونتأثر به ويظهر شجنه فى كتاباتنا.
نعم لو كنت التقيت عبدالرحمن الأبنودى كنت سأقول له، إننى أحبه أيضا لأنه ينتمى إلى جيل من الصعايدة انتهى تقريبا، كان فيه الرجل يجمع بين قدرته على تحمل الهم والابتسام، وكان يعرف عنف الكلمة وسحر الحكاية، الواحد فيهم يحمل فى يده عصا غليظة لأن مشاجرة قد تنشب فجأة وفى يده الأخرى يمسك طفلا يعلمه المشى.
لو كنت التقيت عبدالرحمن الأبنودى كنت سأقول له إن الأمهات فى القرى ينصتن إلى حكاياته عن السيرة الهلالية، يجلسن بجانب الراديو ويذهبن مع رحلة بنى هلال ما شاء الخيال لهن أن يذهبن، متعاطفات مع خضرة الشريفة ومتطلعات إلى الجازية وأفعالها.
كنت سأقول للأبنودى إننى جلست فى إحدى دورات معرض الكتاب ويومها سمعته يقول إنه يحب أن يقول الشعر واقفا، لأن هذا يليق بالشعر، كانت الصالة الرئيسية ممتلئة والناس فى الخارج أكثر من الذين استطاعوا الدخول.
أعترف، الآن، يا أبنودى لدى شعور قوى بأننى التقيتك كثيرا وأننى قلت لك هذا الكلام وأكثر وأننا قرأنا معا ما قاله جودة لـ أحمد سماعين عندما استنكر اقتراب موته «أمر الله يا صاحبى.. جيتها خفيف وأمشيها خفيف».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة