عربة تقل مجموعة من الشباب الفلسطينيين فى طريقها إلى ساحل غزة، مع بداية الأحداث، ترصد كاميرا المخرج "فيليب غنات" ومساعده "ميكى يامين" عبر نافذتها آثار حطام حرب لا تتوقف فى القطاع ودمار ما زالت آثاره عالقة على سياخ حديدية تصرخ أنقاضها من تحت الأطلال "هنا كنا نعيش" وتصاحب الصورة ضحكات هؤلاء الذين يتمسكون بالأمل رغم العزلة.
الفيلم الوثائقى "غزة سيرف كلوب" المعروض ضمن أسبوع أفلام معهد جوتة بالقاهرة، يعايش أكبر سجن بالعالم يطل على البحر، يعانى حصارًا يمنع دخول أو خروج أى شىء من وإلى القطاع، يجد ساكنوه من الأمواج متنفسًا للحرية فى محاولة لتناسى الواقع الأليم، واقع رغم قسوته يسعى مجموعة من هواة "التزلج على الأمواج" التغلب عليه بإنشاء فريق واتحاد للعبة فى محاولة باءت بالفشل، لأن سلطات الاحتلال لا تسمح بدخول الألواح، التى تحولت إلى عملة صعبة داخل القطاع، باستثناء 21 لوحا فقط - جل ثروتهم - دخلت فى العقود الماضية بعد جهود مضنية.
جسد مخرجا العمل المأساة فى قطاع غزة دون التوغل فى تفاصيل الصراع على الأرض، ذلك المكان الذى خنقته إسرائيل وحكمته حماس، وسكانه محصورون بين هجمات الاحتلال المتواصلة والواجهة البحرية الخاضعة لسيطرة صارمة، مكان لا يتوقع المرء أن يجد فيه راكبى الأمواج، وتركز الأحداث على 3 شخصيات، شاب يبلغ من العمر 23 عاما (إبراهيم) يحلم بالسفر إلى هاواى بالولايات المتحدة الأمريكية للتدريب على صناعة الألواح الخشبية، وفتاة مراهقة (صباح) تعنى رحلتها إلى مرحلة البلوغ التخلى عن الحياة فى الأمواج، ورجل يبلغ عمره 42 عامًا (أبو جياب) الصياد الأقدم على هذا الشاطئ المعزول.
إبراهيم عرفات، البالغ من العمر 23 عامًا يتواصل مع ماثيو أولسن - أمريكى الجنسية – صاحب الفضل فى ربط شباب غزة بالمجتمع الدولى من خلال منظمته، يحلم إبراهيم بالذهاب إلى "هاواى" للتدرب على أيدى صانعى الألواح لكن الحصول على التأشيرات للفلسطينيين فى القطاع أمر فى غاية الصعوبة، ورغم عشقه لغزة إلا أنها تقف فى طريق أحلامه إذ يحكى إبراهيم خلال أحداث الفيلم قصة رفضه 5 مرات أثناء تقديمه على تأشيرة السفر، وتجربته مع تلك الفتاة التى رفضت الزواج منه لأنها لا يمكن أن تعيش تلك الحياة القاسية فى غزة، ومن يتحمل صوت القذائف دوما والعيش دون كهرباء لفترات طويلة ؟!
لم يعد يُسمح لصباح، البالغة من العمر 15 عامًا بالسباحة أو ركوب الأمواج نظرًا لأنها أنثى - وهو عنصر يشير إلى الأصولية المتمثلة فى منظمة حماس صاحبة النفوذ داخل القطاع، علمها والدها "التزلج" وكانت تعشق الشعور بالحرية أثناء ركوب الأمواج، لكن حماس تفرض تفسيرا محافظا للإسلام، فى إشارة من صناع الفيلم إلى أن الحصار لا يتوقف على السياسة فقط وإنما الدين أيضا.
(أبو جياب) ذلك الرجل الأربعينى اتخذ من عشته على شاطئ غزة ساحة لتعليم الشباب رياضة ركوب الأمواج رغم الإمكانيات الشحيحة، أوشكت أحلامه أن تتحطم، يرى ذلك البحر أمامه سجنا ويحلم بالخروج إلا أنه يحاول جاهدا أن يحرك الماء الراكد على الساحل، يستنكر ندرة المعدات والتناوب بين الشباب على لوح مشترك، ويقول بآدائه التلقائى: "خلال الحرب أخشى على الألواح أكثر من أطفالى.. ابنى ممكن أخلف غيره".
استخدم المخرجان أسلوب القطع بين المشاهد ببراعة وأبرزا الجمع بين المتناقضين، وأخذا المتفرج فى رحلة بين شاطئين أحدهما فى هاواى والآخر فى غزة، ثمة فرق يدعوك للحسرة بين جنة الجزيرة الخضراء بأمريكا التى تملك أوراق اللعبة السياسية، والأطلال الرمادية لمدينة إبراهيم، ورغم إبهار "هاواى" يقول إبراهيم من على ساحل الجزيرة الخضراء: "أحلى شط غزة.. شط فلسطين مفيش زيه فى العالم"، إلا أن إبراهيم لم يعد إلى غزة بعد!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة