تزمجر العواصف الرملية فى قرارة القطف بفعل الرياح. وبين النباتات الصحراوية تنتشر الثعابين والعقارب.
غير أن المئات العالقين فى محاولات العودة إلى بلدة تم تفريغها من أهلها فى عمل من أعمال العقاب الجماعى خلال الثورة الليبية عام 2011 أقسموا على البقاء حتى يتم السماح لهم بعودة إلى بيوتهم.
خرج المخيم المؤقت المؤلف من 250 خيمة إلى حيز الوجود فى أوائل فبراير بعد أن منعت فصائل مسلحة من مدينة مصراتة قوافل الأسر النازحة التى كانت تحاول الاقتراب من تاورغاء التى كان عدد سكانها 40 ألفا وأصبحت الآن أطلالا.
وأحبط ذلك، بصفة مؤقتة على الأقل، جهدا بارزا للمصالحة يهدف إلى تسوية قضية أصبحت ترمز للانقسامات السياسية التى طفت على السطح خلال الانتفاضة الليبية وبعدها.
فقد كانت قوات من مصراتة هى التى طردت سكان تاورغاء من بيوتهم منذ أكثر من ست سنوات واتهمتهم بدعم حصار عسكرى فرضه معمر القذافى على مدينتهم فى إطار محاولاته الفاشلة لسحق تمرد دعمه حلف شمال الأطلسى وأسقط حكمه فى النهاية.
ومنذ ذلك الحين أصبح سكان تاورغاء، وكثيرون منهم من ذوى البشرة السمراء من نسل عبيد من أفريقيا جنوبى الصحراء، مشتتين فى مخيمات بدائية فى مختلف أنحاء ليبيا، وبعد مفاوضات طويلة قالت لهم الحكومة المعترف بها دوليا فى طرابلس أن بوسعهم أن يبدأوا العودة فى أول فبراير.
بل إن مصطفى قريمة عضو المجلس المحلى فى تاورغاء والذى يعيش فى قرارة القطف قال إن المسؤولين أمروا بإعداد 3000 وجبة وخشبة مسرح للاحتفال بذلك فى المدينة ،وبدأ عمال فى تطهير قطعة من الأرض.
غير أن المحاولات المتكررة للاقتراب من تاورغاء وإقامة مخيم فيها عطلتها قوات نظامية ورجال فصائل يرتدون ملابس مدنية وقال قريمة إن بعضهم فتح النار على المقتربين.
وقال قريمة "الميليشيات التى أطلقوا النار علينا لم تكن نفس المجموعة الأولى والتى كانت تبدو أكثر تنظيما كقوة عسكرية. تحدثوا معنا (المجموعة الأولى) بطريقة محترمة وقالوا لنا إن هناك مشكلة ويمكن أن نتعرض للخطر"، وأضاف "الميليشيا استعملوا ضدنا ألفاظ عنصرية والإساءة وألفاظ نابية، كما أطلقوا النار علينا".
واستقر المقام بنحو 200 أسرة على جانب الطريق فى قرارة القطف الواقعة على مسافة 27 كيلومترا من تاورغاء. وتعطلت مسيرة عدد أقل وهم يحاولون العودة من بنغازى شرقى تاورغاء.
وتتولى وكالات إغاثة محلية ودولية الآن توصيل الغذاء والماء والمساعدات الطبية إلى قرارة القطف. وتم افتتاح دار للحضانة فى خيمة كبيرة كما أن بعض الصغار ينقلون بالحافلات إلى مدرسة محلية.
غير أن الظروف قاسية. تقول غزالة عوض (41 عاما) وهى تقف أمام خيام للعائلات فى المخيم "يمكنكم رؤية ماذا تفعل الرياح بنا. من الصعب أن أصف ما الذى يقوم به التراب لعيوننا"، وأضافت "أحيانا لا نستطيع السماع ولا فرق إذا وضعت الوشاح أو لا".
وتاورغاء الواقعة على مسافة 200 كيلومتر جنوب شرقى طرابلس عبارة عن مجموعة من المبانى المهجورة التى دمرها القصف وظلت على حالها دون أن تمتد إليها يد تقريبا.
وخلصت الأمم المتحدة إلى أن المدينة تعرضت لدمار متعمد فى عام 2011 لكى تصبح غير صالحة للسكنى وقالت إن فصائل مصراتة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية بذلت الحكومة الليبية فى طرابلس والأمم المتحدة جهودا لتسوية النزاع، ويقول سكان المخيم إنهم لن يتحركوا إلا فى اتجاه واحد.
وقال سالم إبراهيم (61 عاما) المدرس المتقاعد الذى وصل إلى قرارة القطف فى قافلة من طرابلس "هذه المخيمات وقتية ليست دائمة"، وأضاف "لن نتخلى عن أرضنا وموطننا والتربة التى نشأنا عليها. سنبقى هنا حتى نعود".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة