ما حدث من المصريين فى 30 يونيو 2013، أحبط مخططات عقود قد عكفت عليها قوة الهيمنة فى البحث عن أكثر ما يمكن أن يؤجج الصراعات بين دول إقليم ما سموه بالشرق الأوسط، فكان الصراع الدينى حاضرا بقوة، كيف لا وقد قضت الصراعات الدينية فى أوروبا فى العصور الوسطى على الأخضر واليابس، وسقط فيها ملايين البشر عبر سلسلة من الصراعات الدامية التى لم يوقفها سوى التحضر والرقى والعلم، فالتعصب لأى دين مهما كان هو نتاج للجهل والانغلاق والاهتزاز النفسى، وعدم الاتزان الإنسانى، لذلك كان الصراع الدينى والطائفى خيارا استراتيجيا فى إعادة تقسيم الشرق الأوسط للقدرة على السيطرة عليه، حيث تنبسط من المحيط للخليج ثروات العالم وخيراته لسنوات طويلة، كما شهدت هذه البقعة من العالم بعثات الأنبياء وميلاد الأديان، اطلعت على معظم حضارات العالم القديم، وما تركته فى حاضرنا من آثار لا تقدر بثمن.
ومن خلال تحقيق قوى الهيمنة للهدف الاستراتيجى، كان لابد من العمل على عدة عناصر، بداية من تصعيد النعرة المذهبية، إلى خلق كيانات سرطانية تكون بمثابة الخلايا الأولى للورم الخبيث، إيذانا بالتفشى فى جسد المنطقة التى تمنح بين حين وآخر جرعات دواء تبقى على الحياة، ولكن دونما زوال للمرض الذى تحرص قوى الهيمنة على بقائه حتى لا تستفيق تلك الأمم أبدا، فكانت بالإضافة للعدو الواضح إسرائيل دويلة قطر إحدى الخلايا السرطانية التى يجب أن ينتبه حكامها بأن المال قد يشترى ذمما ويلوث ضمائر، ويخرس أصواتا، ويملى قرارات، ولكنه لا يشترى مجدا، ولا حضارة ولا تاريخا ولا ثقافة، ولا يحقن جينات العظمة للشعوب.
وفى قرب تحقيق قوى الهيمنة للهدف حيث تداعب الابتسامات شفاة الخبثاء تطل على حافة التاريخ وجوه طيبة وعيون سوداء حائرة وحناجر صاخبة بصدور عارية، تهتف بحرية القرار الوطنى ليزيح المصريون السرطان من كبد الهوية الإخوان هؤلاء الذين تنكروا للوطن وأهله ولم يقدروا له ثمنا، ولم يبكوا يوما خوفا عليه، بل تباكوا عشقا فى حب الجماعة، وطنهم وحظيرتهم، لتتكالب علينا أراذل الأمم، بحثا عن الانهيار المنشود الذى قطع جذوره المصريون ولكن بقى الأمل لديهم فى استعادة فوضى غائبة من رحم خان يخون إخوان، ومن أبناء المحاولة تفجير الطائرات لضرب العلاقات مع روسيا وفرنسا بزوغ واقعة ريجينى لتدمير العلاقات مع إيطاليا، منح بريطانيا حق اللجوء السياسى للإخوان.
التاريخ يقص علينا أن كل مبتدع منذ مسيلمة الكذاب حتى الآن يأتى برجال دين يبررون، ويبرهنون، ويمهدون، ويحللون لإمامهم ارتكاب المعاصى والقتل والقمع باسم الدين، بل تصوير ما يفعل بأنه ابتغاء مرضاة الله، فيكون الموالون والمؤيدون للإمام هم عباد الله الصالحون، بينما يكون المعارضون هم الفجار الآثمون، فيصبح قتلهم وانتهاكهم جسديًا واجبًا على كل مؤمن، فنرى مشاهد أصحاب اللحى وهم يحملون السلاح فى مواجهة الأبرياء فى سوريا وليبيا والعراق، نراهم وهم يذبحون ويغتصبون تقربًا إلى الله، فهؤلاء يدعون إلى دين آخر، دين فيه غلظة واستباحة للدماء والأعراض، دين غير دين الإسلام، فالآن المنطقة العربية إزاء مواجهة حاسمة مع قوى الشر الثيوقراطية، حيث تؤوّل مجموعات من المتأسلمين النصوص الدينية بتفسيرات ذاتية تمكّنها من الوصول إلى السلطة، مستخدمين أحط السبل، الدسائس والقتل واستمالة الأشخاص بالمال أو الإرهاب والنفاق والكذب على الله، مدعومين من دول تسعى لتفتيت المنطقة بالكامل وإضعافها.
الثيوقراطية هى نظام يستمد الحاكم فيه سلطته أو شرعيته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردى، فلا يجوز لأحد مخالفة الإمام، باعتباره خليفة الله، وقد مرت أوروبا بهذا النوع من الحكم فى العصور المظلمة ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلاديين، التى وصلت فيها سلطة الكنيسة والكهنة إلى أبعد من إخضاع الشعوب والملوك لسيطرتها، بل إلى الحرمان من دخول الجنة حال الطرد من رحمة الكنيسة، وبإمكانها أيضًا منح صكوك الغفران لمن تشاء أو كيفما اقتضت مصالحها، وسميت تلك الحقبة بالعصور المظلمة لمحاربة الكنيسة لكل عالم ومفكر وفيلسوف يخالف معتقداتها.
أما الإسلام فقد جاء لهدم الحكم الدينى الممثل فى عصمة رجال الدين، ولكن بعض كتّاب المسلمين قد خلطوا بين الحكومة الدينية كما عرفتها أوروبا فى القرون الوسطى، وبين نظام الإسلام، فالحكم فى الإسلام ليس حكمًا ثيوقراطيا، فالدولة الإسلامية ليست بهذا المفهوم، وعلماء الدين فى الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلًا على أن الدين الإسلامى نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة فى الإسلام ليسوا أوصياء على خلق الله، لأن الحاكم ينتخب من الشعب، ويخطئ ويصيب ويحاسب ويعزل، وليس معصومًا، وليس فى الإسلام طبقة الكهنوت، وإنما يحكم فى الأمة أفضلها بشروط تقدمها وتختاره على أساسها لإدارة مصالحها فى الدنيا، فمهمة الحاكم فى الإسلام تكاد تكون تنفيذية محضة، سواء عن طريق التنفيذ الحرفى للنصوص، أو الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، وليست سلطة مطلقة.
فالمجتمع الدولى فى فترات ماضية ترك جميع المشكلات والملفات المفتوحة وعلى رأسها إهدار حقوق الشعب الفلسطينى، ويتحدث عن جماعة كانت تقيم اعتصاما مسلحا بشهادة الجميع وبالصور والفيديوهات التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، كالأكفان المتحركة، بالإضافة إلى المشاهد التمثيلية التى كانت تحمل زورا وجود انتهاكات من أجهزة الأمن، فالجميع يتغافل ما يدور فى عدد من دول العالم من تدخل عسكرى مباشر فى سوريا وغيرها من دول الجوار، وكالانتهاكات الواضحة للقانون الدولى من المحتل الإسرائيلى، وأيضا تجاوزات حقوق الإنسان فى الدول التى تسعى للهيمنة، ومشاهد تعذيب المعارضين كالتى تقع فى تركيا، ليتحدثوا عن حقوق جماعة إرهابية حملت السلاح على الشعب المصرى.
لقد بات الضمير العالمى فى إجازة، وباتت بعض وسائل الإعلام والمنظمات منصات لحماية حقوق الإرهاب، فنحن إزاء موجة جديدة من الحرب النفسية، فإذا أردت أن تنال من أمة فعليك بكسر الإرادة، ودحر الأمل، وتصدير اليأس والإحباط، فتنهار الأمة معنويا، ومن ثم تنهزم ماديا، لكن هيهات ليس هنا، فأنتم فى رحاب الصمود والجلد، فمصر لا تعرف عبر تاريخها الخنوع أو اليأس أو الاستسلام، فمصر تكمن عظمتها فى جلد إرادتها، فقد استطاع المصريون أن يدمروا أحلام قوى الهيمنة بوقف سرطان الإخوان من أن ينمو ويصبح جزءا من مسلسل كبير لخلق حلف سنى يقوده التنظيم الدولى، لتأجيج الصراع الطائفى مع الحلف الشيعى فى المنطقة، ومن ثم ضمان مساحات رحبة للهيمنة بأن تلقى بظلالها، على مقدرات الأمة وقراراتها إلى يوم الدين.
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
تمام
كلام وكأنى اقرئه لاول مرة .......... اول مرة التفت الى واقع صراعات اروبا كانت اساسها من منطلاقات عصبيات ونزعات دينيه بحته